الباحث القرآني

فَكَأنَّهُ قِيلَ: لَقَدْ نَصَحا لَهُمْ؛ وبَرّا؛ واجْتَهَدا في إصْلاحِ الدِّينِ والدُّنْيا؛ فَما خَدَعا؛ ولا غَرّا؛ فَما قالُوا؟ فَقِيلَ: لَمْ يَزِدْهم ذَلِكَ إلّا نَفارًا؛ واسْتِضْعافًا لِأنْفُسِهِمْ؛ لِإعْراضِهِمْ عَنِ اللَّهِ؛ واسْتِصْغارًا؛ لِأنَّهم ﴿قالُوا﴾؛ مُعْرِضِينَ عَمَّنْ خاطَباهُمْ؛ غَيْرَ عادِّينَ لَهُما؛ ﴿يا مُوسى﴾؛ وأكَّدُوا نَفْيَهم لِلْإقْدامِ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِمْ: ﴿إنّا﴾؛ وعَظَّمُوا تَأْكِيدَهم بِقَوْلِهِمْ: ﴿لَنْ نَدْخُلَها﴾؛ وزادُوهُ تَأْكِيدًا بِقَوْلِهِمْ: ﴿أبَدًا﴾؛ وقَيَّدُوا ذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ: ﴿ما دامُوا﴾؛ أيْ: الجَبابِرَةُ؛ ﴿فِيها﴾؛ أيْ: لَهُمُ اليَدُ عَلَيْها؛ ثُمَّ اتَّبَعُوهُ بِما يَدُلُّ عَلى أنَّهم في غايَةِ الجَهْلِ بِاللَّهِ؛ الفَعّالِ لِما يُرِيدُ؛ الغَنِيِّ عَنْ جَمِيعِ العَبِيدِ؛ فَقالُوا - مُسَبِّبِينَ عَنْ نَفْيِهِمْ ذَلِكَ قَوْلَهم -: ﴿فاذْهَبْ أنْتَ ورَبُّكَ﴾؛ أيْ: المُحْسِنُ إلَيْكَ؛ فَلَمْ يَذْكُرُوا أنَّهُ أحْسَنَ إلَيْهِمْ؛ كَثافَةَ طِباعٍ؛ وغِلَظَ أكْبادٍ؛ بَلْ خَصُّوهُ بِالإحْسانِ؛ وهَذا القَوْلُ إنْ لَمْ يَكُنْ قائِلُوهُ يَعْتَقِدُونَ التَّجْسِيمَ فَهم مُشارِفُونَ لَهُ؛ وكَذَلِكَ أمْثالُهُ؛ وكانَ اليَهُودُ الآنَ عَرِيقِينَ في التَّجْسِيمِ؛ ثُمَّ سَبَّبُوا عَنِ الذَّهابِ قَوْلَهُمْ: ﴿فَقاتِلا﴾؛ ثُمَّ اسْتَأْنَفُوا قَوْلَهم - مُؤَكِّدِينَ لِأنَّ مَن لَهُ طَبْعٌ سَلِيمٌ؛ وعَقْلٌ مُسْتَقِيمٌ؛ لا يُصَدِّقُ أنَّ أحَدًا يَتَخَلَّفُ عَنْ (p-٧٨)أمْرِ اللَّهِ؛ لا سِيَّما إنْ كانَ بِمُشافَهَةِ الرَّسُولِ -: ﴿إنّا ها هُنا﴾؛ أيْ: خاصَّةً؛ ﴿قاعِدُونَ﴾؛ أيْ: لا نَذْهَبُ مَعَكُما؛ فَكانَ فِعْلُهم فِعْلَ مَن يُرِيدُ السَّعادَةَ بِمُجَرَّدِ ادِّعاءِ الإيمانِ؛ مِن غَيْرِ تَصْدِيقٍ لَهُ بِامْتِحانٍ؛ بِفِعْلِ ما يَدُلُّ عَلى الإيقانِ؛ رَوى البُخارِيُّ؛ في المَغازِي والتَّفْسِيرِ؛ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُ - قالَ: «قالَ المِقْدادُ بْنُ عَمْرٍو يَوْمَ بَدْرٍ: يا رَسُولَ اللَّهِ؛ لا نَقُولُ كَما قالَ قَوْمُ مُوسى: اذْهَبْ أنتَ ورَبُّكَ فَقاتِلا إنّا ها هُنا قاعِدُونَ؛ ولَكِنِ امْضِ؛ ونَحْنُ مَعَكَ؛ نُقاتِلُ عَنْ يَمِينِكَ؛ وعَنْ شِمالِكَ؛ وبَيْنَ يَدَيْكَ؛ وخَلْفَكَ؛ فَرَأيْتُ النَّبِيَّ ﷺ أشْرَقَ وجْهُهُ؛ وسَرَّهُ».
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب