الباحث القرآني
ولَمّا دُحِضَتْ حُجَّتُهُمْ؛ ووَضَحَتْ أُكْذُوبَتُهُمُ؛ اقْتَضى ذَلِكَ الِالتِفاتَ إلى وعْظِهِمْ عَلى وجْهِ الِامْتِنانِ عَلَيْهِمْ؛ وإبْطالِ ما عَساهم يَظُنُّونَهُ حُجَّةً؛ فَقالَ (تَعالى): ﴿يا أهْلَ الكِتابِ﴾؛ أيْ: مِنَ الفَرِيقَيْنِ؛ ولَمّا كانَ ما حَصَلَ لَهم مِنَ الضَّلالِ بِتَضْيِيعِ ما عِنْدَهم مِنَ البَيِّناتِ؛ وتَغْيِيرِها ما لا يُتَوَقَّعُ مَعَهُ الإرْسالُ؛ قالَ - مُعَبِّرًا بِحَرْفِ التَّوَقُّعِ -: ﴿قَدْ جاءَكم رَسُولُنا﴾؛ أيْ: الَّذِي عَظَمَتُهُ مِن عَظَمَتِنا؛ فَإعْظامُهُ وإجْلالُهُ واجِبٌ لِذَلِكَ؛ ثُمَّ بَيَّنَ حالَهُ؛ مُقَدِّمًا لَهُ عَلى مُتَعَلِّقٍ جاءَ بَيانًا لِأنَّهُ أهَمُّ ما إلى الرُّسُلِ إلَيْهِمْ؛ إرْشادًا إلى قَبُولِ كُلِّ ما جاءَ بِهِ؛ بِقَوْلِهِ: ﴿يُبَيِّنُ لَكُمْ﴾؛ أيْ: يُوقِعُ لَكُمُ البَيانَ في كُلِّ ما يَنْفَعُكُمْ؛ بَيانًا شافِيًا لِما تَقَدَّمَ وغَيْرِهِ. (p-٧٠)ولَمّا كانَ مَجِيئُهُ مُلْتَبِسًا بِبَيانِهِ؛ وظَرْفًا لَهُ؛ غَيْرَ مُنْفَكٍّ عَنْهُ؛ وكانَ بَيانًا مُسْتَعْلِيًا عَلى وقْتِ مَجِيئِهِ؛ وما مَضى قَبْلَهُ وما يَأْتِي بَعْدَهُ؛ بِبَقاءِ كِتابِهِ مَحْفُوظًا؛ لِعُمُومِ دَعْوَتِهِ؛ وخِتامِهِ؛ وتَفَرُّدِهِ؛ فَلا نَبِيَّ بَعْدَهُ؛ قالَ - مُعَلِّقًا بِـ ”جاءَ“ -: ﴿عَلى فَتْرَةٍ﴾؛ أيْ: طَوِيلَةٍ بِالنِّسْبَةِ إلى ما كانَ يَكُونُ بَيْنَ النَّبِيِّينَ مِن بَنِي إسْرائِيلَ؛ مُبْتَدِئَةً تِلْكَ الفَتْرَةُ ﴿مِنَ الرُّسُلِ﴾؛ أيْ: انْقِطاعٍ مِن مَجِيئِهِمْ؛ شَبَّهَ فَقْدَهُمْ؛ وبُعْدَ العَهْدِ بِهِمْ؛ ونِسْيانَ أخْبارِهِمْ؛ وبَلاءَ رُسُومِهِمْ وآثارِهِمْ؛ وانْطِماسَ مَعالِمِهِمْ وأنْوارِهِمْ؛ بِشَيْءٍ كانَ يَفْنى فَفَتَرَ؛ لَمْ يَبْقَ مِن وصْفِهِ المَقْصُودِ مِنهُ إلّا أثَرٌ خافٍ؛ ورَسْمٌ دارِسٌ؛ يُقالُ: ”فَتَرَ الشَّيْءُ“؛ إذا سَكَنَتْ حِدَّتُهُ؛ وصارَ أقَلَّ مِمّا كانَ عَلَيْهِ؛ وذَلِكَ لِأنَّهُ كانَ بَيْنَ عِيسى وبَيْنَ النَّبِيِّ ﷺ سِتُّمِائَةِ سَنَةٍ؛ فَسَدَ فِيها أمْرُ النّاسِ؛ ولَعَلَّهُ عَبَّرَ بِالمُضارِعِ في ”يُبَيِّنُ“؛ إشارَةً إلى أنَّ دِينَهُ وبَيانَهُ لا يَنْقَطِعُ أصْلًا بِحِفْظِ كِتابِهِ؛ فَكُلَّما دَرَسَتْ سُنَّةٌ مَنَحَ اللَّهُ بِعالِمٍ يَرُدُّ النّاسَ إلَيْها بِالكِتابِ المُعْجِزِ القائِمِ أبَدًا؛ فَلِذَلِكَ لا يَحْتاجُ الأمْرُ إلى نَبِيٍّ مُجَدِّدٍ؛ إلّا عِنْدَ الفِتْنَةِ الَّتِي لا يُطِيقُها العُلَماءُ؛ وهي فِتْنَةُ الدَّجّالِ؛ ويَأْجُوجِ ومَأْجُوجِ؛ ثُمَّ عَلَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿أنْ﴾؛ أيْ: كَراهَةَ أنْ؛ ﴿تَقُولُوا﴾؛ أيْ: إذا حُشِرْتُمْ؛ وسُئِلْتُمْ عَنْ (p-٧١)أعْمالِكُمْ؛ ﴿ما جاءَنا﴾؛ ولِتَأْكِيدِ النَّفْيِ قِيلَ: ﴿مِن بَشِيرٍ﴾؛ أيْ: يُبَشِّرُنا لِنَرْغَبَ فَنَعْمَلَ بِما يُسْعِدُنا؛ فَنَفُوزَ؛ ﴿ولا نَذِيرٍ﴾؛ أيْ: يُحَذِّرُنا لِنَرْهَبَ فَنَتْرُكَ ما يُشْقِينا؛ فَنُسْلِمَ؛ لِأنَّ الإنْسانَ مُوَزَّعُ النُّقْصانِ بَيْنَ الرَّغْبَةِ؛ والرَّهْبَةِ؛ وقَدْ كانَ اخْتَلَطَ في تِلْكَ الفَتْرَةِ الحَقُّ بِالباطِلِ؛ فالتَبَسَ الأمْرُ وجُهِلَ الحالَ؛ لَكِنَّهُ لَمْ يُجْهَلْ جَهْلًا يَحْصُلُ بِهِ عُذْرٌ في الشِّرْكِ؛ وسَأُبَيِّنُهُ في أوَّلِ ”ص“.
ولَمّا كانَ المَعْنى: ”فَلا تَقُولُوا ذَلِكَ“؛ سَبَّبَ عَنْهُ قَوْلَهُ: ﴿فَقَدْ جاءَكُمْ﴾؛ أيْ: مَن هو مُتَّصِفٌ بِالوَصْفَيْنِ مَعًا؛ فَهو ﴿بَشِيرٌ ونَذِيرٌ﴾؛ أيْ: كامِلٌ في كُلٍّ مِنَ الوَصْفَيْنِ؛ وإنْ تَبايَنا؛ ولَمّا كانَ رُبَّما كانَ تَوَهَّمَ أحَدٌ مِن تَرْكِ الإرْسالِ زَمَنَ الفَتْرَةِ؛ ومِن تَرْكِ التَّعْذِيبِ بِغَيْرِ حُجَّةِ الإرْسالِ؛ وبِالعُدُولِ عَنْ بَنِي إسْرائِيلَ إلى بَنِي إسْماعِيلَ شَيْئًا في القُدْرَةِ؛ قالَ - كاشِفًا لِتِلْكَ الغُمَّةِ -: ﴿واللَّهُ﴾؛ أيْ: جاءَكم والحالُ أنَّ المَلِكَ الَّذِي لَهُ الكَمالُ كُلُّهُ؛ ﴿عَلى كُلِّ شَيْءٍ﴾؛ أيْ: مِن أنْ يُرْسِلَ في كُلِّ وقْتٍ؛ وأنْ يَتْرُكَ ذَلِكَ؛ وأنْ يَهْدِيَ بِالبَيانِ؛ وأنْ يُضِلَّ؛ ومِن أنْ يُعَذِّبَ؛ ولا يَقْبَلَ عُذْرًا؛ وأنْ يَغْفِرَ كُلَّ شَيْءٍ؛ وغَيْرِ ذَلِكَ؛ ﴿قَدِيرٌ﴾؛ وفي الخَتْمِ بِوَصْفِ القُدْرَةِ واتِّباعِهِ تَذْكِيرُهم ما صارُوا إلَيْهِ مِنَ العِزِّ بِالنُّبُوَّةِ والمُلْكِ؛ بَعْدَما كانُوا فِيهِ مِنَ الذُّلِّ بِالعُبُودِيَّةِ؛ والجَهْلِ؛ إشارَةً إلى أنَّ إنْكارَهم (p-٧٢)لِأنْ يَكُونَ مِن ولَدِ إسْماعِيلَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - نَبِيٌّ؛ يَلْزَمُ مِنهُ إنْكارُهم لِلْقُدْرَةِ.
{"ayah":"یَـٰۤأَهۡلَ ٱلۡكِتَـٰبِ قَدۡ جَاۤءَكُمۡ رَسُولُنَا یُبَیِّنُ لَكُمۡ عَلَىٰ فَتۡرَةࣲ مِّنَ ٱلرُّسُلِ أَن تَقُولُوا۟ مَا جَاۤءَنَا مِنۢ بَشِیرࣲ وَلَا نَذِیرࣲۖ فَقَدۡ جَاۤءَكُم بَشِیرࣱ وَنَذِیرࣱۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق