الباحث القرآني

ولَمّا نَفى عَنْ نَفْسِهِ ما يَسْتَحِقُّ النَّفْيَ؛ ودَلَّ عَلَيْهِ؛ أثْبَتَ ما قالَهُ لَهُمْ؛ عَلى وجْهٍ مُصَرِّحٍ بِنَفْيِ غَيْرِهِ؛ لِيَكُونَ ما نُسِبَ إلَيْهِ مِن دَعْوى الإلَهِيَّةِ مَنفِيًّا مَرَّتَيْنِ؛ إشارَةً؛ وعِبارَةً؛ فَقالَ - مُعَبِّرًا عَنِ الأمْرِ بِالقَوْلِ؛ مُطابَقَةً لِلسُّؤالِ؛ (p-٣٦٦)وفَسَّرَ بِالأمْرِ؛ بَيانًا لِأنَّ كُلَّ ما قالَهُ مِن مُباحٍ؛ أوْ غَيْرِهِ؛ دائِرٌ عَلى الأمْرِ مِن حَيْثُ الِاعْتِقادُ؛ بِمَعْنى أنَّ المُخاطَبَ بِما قالَهُ الرَّسُولُ مَأْمُورٌ بِأنْ يَعْتَقِدَ فِيهِ أنَّهُ بِتِلْكَ المَنزِلَةِ؛ لا يَجُوزُ أنْ يَعْتَقِدَ فِيهِ أنَّهُ فَوْقَها؛ ولا دُونَها؛ يَعْبُدُ اللَّهَ (تَعالى) بِذَلِكَ -: ﴿ما قُلْتُ لَهُمْ﴾؛ أيْ: ما أمَرْتُهم بِشَيْءٍ مِنَ الأشْياءِ؛ ﴿إلا ما أمَرْتَنِي بِهِ﴾؛ ثُمَّ فَسَّرَهُ؛ دالًّا بِشَأْنِ المُرادِ بِالقَوْلِ؛ الأمْرَ بِالتَّعْبِيرِ في تَفْسِيرِهِ بِحَرْفِ التَّفْسِيرِ؛ بِقَوْلِهِ: ﴿أنِ اعْبُدُوا﴾؛ أيْ: ما أمَرْتُهم إلّا بِعِبادَةِ؛ ﴿اللَّهَ﴾؛ أيْ: الَّذِي لَمْ يَسْتَجْمِعْ نُعُوتَ الجَلالِ والجَمالِ أحَدٌ غَيْرُهُ؛ ثُمَّ أشارَ إلى أنَّهُ كَما يَسْتَحِقُّ العِبادَةَ لِذاتِهِ؛ يَسْتَحِقُّها لِنِعَمِهِ؛ فَقالَ: ﴿رَبِّي ورَبَّكُمْ﴾؛ أيْ: أنا وأنْتُمْ في عُبُودِيَّتِهِ سَواءٌ؛ وهَذا الحَصْرُ يَصِحُّ أنْ يَكُونَ لِلْقَلْبِ؛ عَلى أنَّ ”دُونَ“ بِمَعْنى ”غَيْرُ“؛ ولِلْإفْرادِ عَلى أنَّها بِمَعْنى سُفُولِ المَنزِلَةِ؛ وهو مِن بَدائِعِ الأمْثِلَةِ. ولَمّا فَهِمَ ﷺ مِن هَذا السُّؤالِ أنَّ أتْباعَهُ غَلَوْا في شَأْنِهِ؛ فَنَزَّهَ اللَّهَ - سُبْحانَهُ؛ وعَزَّ شَأْنُهُ - مِن ذَلِكَ؛ وأخْبَرَهُ بِما أمَرَ النّاسَ بِهِ في حَقِّهِ - سُبْحانَهُ - مِنَ الحَقِّ؛ اعْتَذَرَ عَنْ نَفْسِهِ بِما يُؤَكِّدُ ما مَضى؛ نَفْيًا وإثْباتًا؛ فَقالَ: ﴿وكُنْتُ عَلَيْهِمْ﴾؛ أيْ: خاصَّةً؛ لا عَلى غَيْرِهِمْ. ولَمّا كانَ - سُبْحانَهُ - قَدْ أرْسَلَهُ شاهِدًا؛ زادَ في الطّاعَةِ في ذَلِكَ إلى أنْ بَلَغَ جُهْدَهُ؛ كَإخْوانِهِ مِنَ الأنْبِياءِ - عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ -؛ فَقالَ - مُعَبِّرًا (p-٣٦٧)بِصِيغَةِ المُبالَغَةِ -: ﴿شَهِيدًا﴾؛ أيْ: بالِغَ الشَّهادَةِ؛ لا أرى فِيهِمْ مُنْكَرًا إلّا اجْتَهَدْتُ في إزالَتِهِ؛ ﴿ما دُمْتُ فِيهِمْ﴾؛ وأشارَ إلى الثَّناءِ عَلى اللَّهِ؛ بِقَوْلِهِ: ﴿فَلَمّا تَوَفَّيْتَنِي﴾؛ أيْ: رَفَعْتَنِي إلى السَّماءِ؛ كامِلَ الذّاتِ والمَعْنى؛ مَعَ بَذْلِهِمْ جُهْدَهم في قَتْلِي؛ ﴿كُنْتَ أنْتَ﴾؛ أيْ: وحْدَكَ؛ ﴿الرَّقِيبَ﴾؛ أيْ: الحَفِيظَ القَدِيرَ؛ ﴿عَلَيْهِمْ﴾؛ لا يَغِيبُ عَلَيْكَ شَيْءٌ مِن أحْوالِهِمْ؛ وقَدْ مَنَعْتَهم أنْتَ أنْ يَقُولُوا شَيْئًا غَيْرَ ما أمَرْتُهم أنا بِهِ مِن عِبادَتِكَ؛ بِما نَصَبْتَ لَهم مِنَ الأدِلَّةِ؛ وأنْزَلْتَ عَلَيْهِمْ عَلى لِسانِي مِنَ البَيِّناتِ؛ ﴿وأنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ﴾؛ أيْ: مِنهُمْ؛ ومِن غَيْرِهِمْ؛ حَيَوانٍ؛ وجَمادٍ؛ ﴿شَهِيدٌ﴾؛ أيْ: مُطَّلِعٌ غايَةَ الِاطِّلاعِ؛ لا يَغِيبُ عَنْكَ شَيْءٌ مِنهُ؛ سَواءٌ كانَ في عالَمِ الغَيْبِ؛ أوِ الشَّهادَةِ؛ فَإنْ كانُوا قالُوا ذَلِكَ فَأنْتَ تَعْلَمُهُ دُونِي؛ لِأنِّي لَمّا بَعُدْتُ عَنْهم في المَسافَةِ انْقَطَعَ عِلْمِي عَنْ أحْوالِهِمْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب