الباحث القرآني
ولَمّا سَلَبَ - سُبْحانَهُ - العِلْمَ عَنْ كُلِّ أحَدٍ؛ وأثْبَتَهُ لِنَفْسِهِ الشَّرِيفَةِ؛ أنْتَجَ ذَلِكَ أنَّهُ لا أمْرَ لِغَيْرِهِ؛ ولا نَهْيَ؛ ولا إثْباتَ؛ ولا نَفْيَ؛ فَأخَذَ - سُبْحانَهُ - يُبَيِّنُ حِكْمَةَ ما مَضى مِنَ الأوامِرِ في إحْلالِ الطَّعامِ وغَيْرِهِ؛ مِنَ الاصْطِيادِ؛ والأكْلِ مِنَ الصَّيْدِ وغَيْرِهِ؛ والزَّواجِرِ عَنِ الخَمْرِ وغَيْرِها؛ بِأنَّ الأشْياءَ مِنها طَيِّبٌ؛ وخَبِيثٌ؛ وأنَّ الطَّيِّبَ - وإنْ قَلَّ - خَيْرٌ مِنَ الخَبِيثِ - وإنْ كَثُرَ -؛ ولا يُمَيِّزُ هَذا مِن ذاكَ إلّا الخَلّاقُ العَلِيمُ؛ فَرُبَّما ارْتَكَبَ الإنْسانُ طَرِيقَةً شَرَعَها لِنَفْسِهِ؛ ظانًّا أنَّها حَسَنَةٌ؛ فَجَرَّتْهُ إلى السَّيِّئَةِ وهو لا يَشْعُرُ؛ فَيَهْلِكُ؛ كالرَّهْبانِيَّةِ الَّتِي كانُوا عَزَمُوا عَلَيْها؛ والخَمْرِ الَّتِي دَعا شَغَفُهم بِها إلى الإنْزالِ فِيها مَرَّةً بَعْدَ أُخْرى؛ إلى أنْ أكَّدَ فِيها هُنا أشَدَّ تَأْكِيدٍ؛ وحَذَّرَ فِيها أبْلَغَ تَحْذِيرٍ؛ فَقالَ (تَعالى) صارِفًا الخِطابَ إلى أشْرَفِ الوَرى ﷺ؛ إشارَةً إلى أنَّهُ لا يَنْهَضُ بِمَعْرِفَةِ هَذا مِنَ الخَلْقِ غَيْرُهُ -: ﴿قُلْ لا يَسْتَوِي الخَبِيثُ﴾؛ أيْ: مِنَ المَطْعُوماتِ؛ والطّاعِمِينَ؛ ﴿والطَّيِّبُ﴾؛ أيْ: كَذَلِكَ؛ فَإنَّ ما يَتَوَهَّمُونَهُ في الكَثْرَةِ مِنَ الفَضْلِ لا يُوازِي النُّقْصانَ مِن جِهَةِ الخَبِيثِ.
ولَمّا كانَ الخَبِيثُ مِنَ الذَّواتِ والمَعانِي أكْثَرَ في الظّاهِرِ؛ وأيْسَرَ؛ قالَ: ﴿ولَوْ أعْجَبَكَ كَثْرَةُ الخَبِيثِ﴾؛ والخَبِيثُ؛ والطَّيِّبُ؛ مِنهُ جُسْمانِيٌّ؛ ومِنهُ رُوحانِيٌّ؛ وأخْبَثُهُما الرُّوحانِيُّ؛ وأخْبَثُهُ الشِّرْكُ؛ وأطْيَبُ الطَّيِّبِ الرُّوحانِيُّ؛ وأطْيَبُهُ مَعْرِفَةُ اللَّهِ؛ وطاعَتُهُ؛ وما يَكُونُ لِلْجِسْمِ مِن طِيبٍ؛ أوْ خُبْثٍ؛ (p-٣١٢)ظاهِرٌ لِكُلِّ أحَدٍ؛ فَما خالَطَهُ نَجاسَةٌ صارَ مُسْتَقْذَرًا لِأرْبابِ الطِّباعِ السَّلِيمَةِ؛ وما خالَطَ الأرْواحَ مِنَ الجَهْلِ صارَ مُسْتَقْذَرًا عِنْدَ الأرْواحِ الكامِلَةِ المُقَدَّسَةِ؛ وما خالَطَهُ مِنَ الأرْواحِ مَعْرِفَةُ اللَّهِ؛ فَواظَبَ عَلى خِدْمَتِهِ؛ أشْرَقَ بِأنْوارِ المَعارِفِ الإلَهِيَّةِ؛ وابْتَهَجَ بِالقُرْبِ مِنَ الأرْواحِ المُقَدَّسَةِ الطّاهِرَةِ؛ وكَما أنَّ الخَبِيثَ والطَّيِّبَ لا يَسْتَوِيانِ في العالِمِ الرُّوحانِيِّ؛ كَذَلِكَ لا يَسْتَوِيانِ في العالَمِ الجُسْمانِيِّ؛ والتَّفاوُتُ بَيْنَهُما في العالَمِ الرُّوحانِيِّ أشَدُّ؛ لِأنَّ مَضَرَّةَ خُبْثِ الجُسْمانِيِّ قَلِيلَةٌ؛ ومَنفَعَةَ طَيِّبِهِ يَسِيرَةٌ؛ وأمّا خُبْثُ الرُّوحانِيِّ فَمَضَرَّتُهُ عَظِيمَةٌ دائِمَةٌ؛ وطَيِّبُ الرُّوحانِيِّ مَنفَعَتُهُ جَلِيلَةٌ دائِمَةٌ؛ وهي القُرْبُ مِنَ اللَّهِ؛ والِانْخِراطُ في زُمْرَةِ السُّعَداءِ؛ وأدَلُّ دَلِيلٍ عَلى إرادَةِ العُصاةِ والمُطِيعِينَ قَوْلُهُ: ﴿فاتَّقُوا اللَّهَ﴾؛ أيْ: اجْعَلُوا بَيْنَكم وبَيْنَ ما يُسْخِطُ المَلِكَ الأعْظَمَ - الَّذِي لَهُ صِفاتُ الكَمالِ - مِنَ الحَرامِ وِقايَةً مِنَ الحَلالِ؛ لِتَكُونُوا مِن قِسْمِ الطَّيِّبِ؛ فَإنَّهُ لا مُقَرِّبَ إلى اللَّهِ مِثْلُ الِانْتِهاءِ عَمّا حَرَّمَ - كَما تَقَدَّمَ الإشارَةُ بِقَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ اتَّقَوْا وأحْسَنُوا﴾ [المائدة: ٩٣]؛ ويَزِيدُ المَعْنى وُضُوحًا قَوْلُهُ: ﴿يا أُولِي الألْبابِ﴾؛ أيْ: العُقُولِ الخالِصَةِ مِن شَوائِبِ النَّفْسِ؛ فَتُؤْثِرُوا الطَّيِّبَ؛ وإنْ قَلَّ في الحِسِّ؛ لِكَثْرَتِهِ في المَعْنى عَلى الخَبِيثِ؛ وإنْ كَثُرَ في الحِسِّ؛ لِنَقْصِهِ في المَعْنى؛ ﴿لَعَلَّكم تُفْلِحُونَ﴾؛ أيْ: لِتَكُونُوا عَلى رَجاءٍ مِن أنْ تَفُوزُوا بِجَمِيعِ المَطالِبِ؛ وحِينَئِذٍ ظَهَرَ كالشَّمْسِ مُناسَبَةُ تَعْقِيبِها (p-٣١٣)بِقَوْلِهِ - عَلى طَرِيقِ الِاسْتِئْنافِ؛ والِاسْتِنْتاجِ -:
{"ayah":"قُل لَّا یَسۡتَوِی ٱلۡخَبِیثُ وَٱلطَّیِّبُ وَلَوۡ أَعۡجَبَكَ كَثۡرَةُ ٱلۡخَبِیثِۚ فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ یَـٰۤأُو۟لِی ٱلۡأَلۡبَـٰبِ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











