الباحث القرآني
ولَمّا كانَتِ النَّمِيمَةُ ونَقْلُ الأخْبارِ الباطِلَةِ الذَّمِيمَةِ رُبَّما جَرَّتْ فِتَنًا وأوْصَلَتْ إلى القِتالِ، وكانَ العَلِيمُ الحَكِيمُ لا يَنْصُبُ سَبَبًا إلّا ذَكَرَ مُسَبِّبَهُ وأشارَ إلى دَوائِهِ، وكانَ لا يَنْهى عَنِ الشَّيْءِ إلّا مَن كانَ مُتَهَيِّئًا لَهُ لِما في جِبِلَّتِهِ مِنَ الدّاعِي إلَيْهِ، فَكانَ قَدْ يُواقِعُهُ ولَوْ في وقْتٍ، قالَ تَعالى مُعَلِّمًا لَنا طَرِيقَ الحِكْمَةِ في دَفْعِ ما جَرَّتْ إلَيْهِ الأخْبارُ الباطِلَةُ مِنَ القِتالِ، مُعَبِّرًا بِأداةِ الشَّكِّ إشارَةً إلى أنَّ [ما] في حَيِّزِها لا يَنْبَغِي أنْ يَقَعَ بَيْنَهُمْ، ولا أنْ يَذْكُرُوهُ إلّا عَلى سَبِيلِ الفَرْضِ: ﴿وإنْ طائِفَتانِ﴾ أيْ: جَماعَتانِ بِالفِعْلِ أوِ القُوَّةِ جَدِيرٌ كُلُّ جَماعَةٍ مِنهُما بِأنْ يَجْتَمِعَ [عَلى] ما دَهَمَها مِنَ الأمِيرِ بِحَيْثُ تَصِيرُ مِن شِدَّةِ مُراعاتِهِ كالطّائِفَةِ حَوْلَهُ والمُتَحَلِّقَةِ بِهِ، بِحَيْثُ لا يُدْرى مِن شِدَّةِ اجْتِماعِها عَلى ذَلِكَ أوَّلُها مِن آخِرِها ﴿مِنَ المُؤْمِنِينَ﴾ أيْ: مِمَّنْ هو مَعْدُودٌ في عِدادِ العَرِيقِينَ في الإيمانِ سَواءٌ كانَ هو عَرِيقًا أوْ فاعِلًا ما يُطْلَقُ عَلَيْهِ بِهِ الِاسْمُ فَقَطْ.
ولَمّا كانَتِ الشَّناعَةُ والفَسادُ في قِتالِ الجَماعَةِ أكْثَرَ، عَبَّرَ بِضَمِيرِ الجَمْعِ دُونَ التَّثْنِيَةِ تَصْوِيرًا لِذَلِكَ بِأقْبَحِ صُورَةٍ فَقالَ: ﴿اقْتَتَلُوا﴾ [أيْ] فاخْتَلَطُوا بِسَبَبِ القِتالِ حَتّى كانُوا كالفِرْقَةِ الواحِدَةِ ﴿فَأصْلِحُوا﴾ أيْ: (p-٣٧١)فَأوْقِعُوا الإصْلاحَ لِيَحْصُلَ الصُّلْحُ. ولَمّا كانَتِ العِبْرَةُ في الصُّلْحِ إذا وقَعَ بَيْنَ الطّائِفَتَيْنِ ما يَسْكُنُ بِهِ الشَّرُّ وإنْ تَخَلَّفَ شَذّانِ مِنَ الجانِبَيْنِ لا يُعْبَأُ بِهِمْ، عَبَّرَ بِالتَّثْنِيَةِ دُونَ الجَمْعِ فَقالَ: ﴿بَيْنَهُما﴾ أيْ: بِالوَعْظِ والإرْشادِ الدُّنْيَوِيِّ والأُخْرَوِيِّ، ولا تَظُنُّوا أنَّ الباغِيَ غَيْرُ مُؤْمِنٍ فَتَتَجاوَزُوا فِيهِ أمْرَ اللَّهِ.
ولَمّا كانَ البَغْيُ مِن أشْنَعِ الأُمُورِ فَكانَ يَنْبَغِي أنَّ لا يَلُمَّ بِهِ أحَدٌ، عَبَّرَ بِأداةِ الشَّكِّ إرْشادًا إلى ذَلِكَ فَقالَ: ﴿فَإنْ بَغَتْ﴾ أيْ: أوْقَعَتِ الإرادَةُ السَّيِّئَةُ الكائِنَةُ مِنَ النُّفُوسِ الَّتِي لا تَأْمُرُ بِخَيْرٍ ﴿إحْداهُما﴾ أيِ: الطّائِفَتَيْنِ ﴿عَلى الأُخْرى﴾ فَلَمْ تَرْجِعْ إلى حُكْمِ اللَّهِ الَّذِي خَرَجَتْ عَنْهُ ولَمْ تَقْبَلِ الحَقَّ. ولَمّا كانَ الإضْمارُ هُنا رُبَّما أوْهَمَ لَبْسًا فَتَمَسَّكَ بِهِ مُتَعَنِّتٌ في أمْرِ فَسادٍ، أزالَ بِالإظْهارِ كُلَّ لَبْسٍ فَقالَ: ﴿فَقاتِلُوا﴾ أيْ: أوْجِدُوا واطْلُبُوا مُقاتَلَةَ ﴿الَّتِي﴾
ولَمّا كانَ القِتالُ لا يَجُوزُ إلّا بِالِاسْتِمْرارِ عَلى البَغْيِ، عَبَّرَ بِالمُضارِعِ إفْهامًا لِأنَّهُ مَتى زالَ البَغْيُ ولَوْ بِالتَّوْبَةِ مِن غَيْرِ شَوْكَةٍ حَرُمَ القِتالُ فَقالَ: ﴿تَبْغِي﴾ أيْ: تُوقِعُ الإرادَةَ وتُصِرُّ عَلَيْها، وأدِيمُوا القِتالَ لَها ﴿حَتّى تَفِيءَ﴾ أيْ: تَرْجِعَ مِمّا صارَتْ إلَيْهِ مِن جَرِّ القَطِيعَةِ الَّذِي كَأنَّهُ حَرُّ الشَّمْسِ حِينَ نَسَخَهُ الظِّلُّ إلى ما كانَتْ فِيهِ مِنَ البِرِّ والخَيْرِ الَّذِي هو كالظِّلِّ الَّذِي يَنْسَخُ الشَّمْسَ، وهو مَعْنى قَوْلِهِ (p-٣٧٢)تَعالى: ﴿إلى أمْرِ اللَّهِ﴾ أيِ [التِزامِ] ما أمَرَ بِهِ المَلِكُ الَّذِي لا يُهْمِلُ الظّالِمَ، بَلْ لا بُدَّ أنْ يُقاصِصَهُ وأمْرُهُ ما كانَتْ عَلَيْهِ مِنَ العَدْلِ قَبْلَ البَغْيِ. ولَمّا كانَتْ مُقاتَلَةُ الباغِي جَدِيرَةً بِتَرْجِيعِهِ، أشارَ إلى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿فَإنْ فاءَتْ﴾ أيْ: رَجَعَتْ إلى ما كانَتْ عَلَيْهِ مِنَ التَّمَسُّكِ بِأمْرِ اللَّهِ الَّذِي هو العَدْلُ ﴿فَأصْلِحُوا﴾ أيْ: أوْقِعُوا الإصْلاحَ ﴿بَيْنَهُما﴾
ولَمّا كانَ الخِصامُ يَجُرُّ في الغالِبِ مِنَ القَوْلِ والفِعْلِ ما يُورِثُ لِلْمُصْلِحِينَ إحْنَةً عَلى بَعْضِ المُتَخاصِمِينَ، فَيُحْمَلُ ذَلِكَ عَلى المَيْلِ مَعَ بَعْضٍ عَلى بَعْضٍ، قالَ: ﴿بِالعَدْلِ﴾ ولا يَحْمِلُكُمُ القِتالُ عَلى الحِقْدِ عَلى المُتَقاتِلِينَ فَتَحِيفُوا. ولَمّا كانَ العَدْلُ في مِثْلِ ذَلِكَ شَدِيدًا عَلى النُّفُوسِ لَما تَحَمَّلَتْ مِنَ الضَّغائِنِ قالَ تَعالى: ﴿وأقْسِطُوا﴾ أيْ: وأزِيلُوا القَسْطَ -بِالفَتْحِ وهو الجَوْرُ- بِأنْ تَفْعَلُوا القِسْطَ بِالكَسْرِ؛ وهو العَدْلُ العَظِيمُ الَّذِي لا جَوْرَ فِيهِ، في ذَلِكَ وفي جَمِيعِ أُمُورِكُمْ، ثُمَّ عَلَّلَهُ تَرْغِيبًا فِيهِ بِقَوْلِهِ مُؤَكِّدًا تَنْبِيهًا عَلى أنَّهُ مِن أعْظَمِ ما يُتَمادَحُ بِهِ، ورَدًّا عَلى مَن لَعَلَّهُ يَقُولُ: إنَّهُ لا يُلْزِمُ نَفْسَهُ الوُقُوفَ عِنْدَهُ إلّا ضَعِيفٌ: ﴿إنَّ اللَّهَ﴾ أيِ: الَّذِي بِيَدِهِ النَّصْرُ والخِذْلانُ ﴿يُحِبُّ المُقْسِطِينَ﴾ أيْ: يَفْعَلُ مَعَ أهْلِ العَدْلِ مِنَ الإكْرامِ فِعْلَ المُحِبِّ.
{"ayah":"وَإِن طَاۤىِٕفَتَانِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ ٱقۡتَتَلُوا۟ فَأَصۡلِحُوا۟ بَیۡنَهُمَاۖ فَإِنۢ بَغَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا عَلَى ٱلۡأُخۡرَىٰ فَقَـٰتِلُوا۟ ٱلَّتِی تَبۡغِی حَتَّىٰ تَفِیۤءَ إِلَىٰۤ أَمۡرِ ٱللَّهِۚ فَإِن فَاۤءَتۡ فَأَصۡلِحُوا۟ بَیۡنَهُمَا بِٱلۡعَدۡلِ وَأَقۡسِطُوۤا۟ۖ إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











