الباحث القرآني

ولَمّا ذَمَّهم بِسُوءِ عَمَلِهِمْ، أرْشَدَهم إلى ما يُمْدَحُونَ بِهِ مِن حُسْنِهِ فَقالَ: ﴿ولَوْ أنَّهُمْ﴾ أيِ: المُنادِي والرّاضِي ﴿صَبَرُوا﴾ أيْ: حَبَسُوا أنْفُسَهم ومَنَعُوها عَنْ مُناداتِهِمْ، والصَّبْرُ حَبْسُ النَّفْسِ عَنْ أنْ تُنازِعَ إلى هَواها وهو حَبْسٌ فِيهِ شِدَّةٌ، وصَبْرٌ عَنْ كَذا، مَحْذُوفُ الفِعْلِ لِكَثْرَةِ دَوْرِهِ، أيْ نَفْسَهُ ﴿حَتّى تَخْرُجَ﴾ مِن تِلْقاءِ نَفْسِكَ عِنْدَ فَراغِ ما أنْتَ فِيهِ مِمّا يَهُمُّكَ مِن وارِداتِ الحَقِّ ومَصالِحِ الخَلْقِ. ولَمّا كانَ الخُرُوجُ قَدْ يَكُونُ إلى غَيْرِهِمْ مِنَ المَصالِحِ، فَلا يَسُوغُ في الأدَبِ أنْ يَقْطَعَ ذاكَ عَلَيْهِ قالَ: ﴿إلَيْهِمْ﴾ أيْ: لَيْسَ لَهم أنْ يُكَلِّمُوكَ حَتّى تَفْرَغَ لَهم فَتَقْصِدَهم فَإنَّكَ لا تَفْعَلُ [شَيْئًا] في غَيْرِ حِينِهِ بِمُقْتَضى أمْرِ الرِّسالَةِ ﴿لَكانَ﴾ أيِ: الصَّبْرُ. ولَمّا كانَ العَرَبُ أهْلَ مَعالٍ فَهم بِحَيْثُ لا يَرْضَوْنَ إلّا الأحْسَنَ فَقالَ: ﴿خَيْرًا لَهُمْ﴾ أيْ: مِنَ اسْتِعْجالِهِمْ في إيقاظِكَ وقْتَ الهاجِرَةِ وما لَوْ قَرَعُوا البابَ بِالأظافِيرِ كَما كانَ يَفْعَلُ غَيْرُهم مِنَ الصَّحابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، (p-٣٦٢)وهَذا عَلى تَقْدِيرِ أنْ يَكُونَ ما ظَنُّوا مِن أنَّ فِيهِ خَيْرًا فَكانُوا يَعْقِلُونَ، فَفي التَّعْبِيرِ بِذَلِكَ مَعَ الإنْصافِ بَلِ الإغْضاءِ والإحْسانِ هَزٌّ لَهم [إلى] المَعالِي، وإرْشادٌ إلى ما يَتَفاخَرُونَ بِهِ مِنَ المَحاسِنِ، قالَ الرّازِيُّ: قالَ أبُو عُثْمانَ: الأدَبُ عِنْدَ الأكابِرِ يَبْلُغُ بِصاحِبِهِ إلى الدَّرَجاتِ العُلى والخَيْرِ في الأُولى والعُقْبى. انْتَهى. وأخْيَرِيَّةِ صَبْرٍ في الدِّينِ مَعْرُوفَةٍ، وأمّا في الدُّنْيا فَإنَّهم لَوْ تَأدَّبُوا لِرَبِّهِمْ زادَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ في الفَضْلِ فَأعْتَقَ جَمِيعَ سَبْيِهِمْ وزادَهُمْ، والآيَةُ مِنَ الِاحْتِباكِ: حَذَفَ التَّعْلِيلَ بِعَدَمِ الصَّبْرِ أوَّلًا لِما دَلَّ عَلَيْهِ ثانِيًا، والعَقْلَ ثانِيًا، لِما دَلَّ عَلَيْهِ [مِن] ذِكْرِهِ أوَّلًا. ولَمّا ذَكَرَ التَّقْدِيرَ تَأْدِيبًا لَنا وتَدْرِيبًا عَلى الصَّفْحِ عَنِ الجاهِلِ وعُذْرِهِ وتَعْلِيمِهِ: ولَكِنَّهم لَمْ يَصْبِرُوا وأساؤُوا الأدَبَ فَكانَ ذَلِكَ شَرًّا لَهم واللَّهُ عَلِيمٌ بِما فَعَلُوا حَلِيمٌ حَيْثُ لَمْ يُعاجِلْهم بِالعُقُوبَةِ لِإساءَتِهِمُ الأدَبَ عَلى رَسُولِهِ ﷺ، عَطَفَ عَلَيْهِ اسْتِعْطافًا لَهم مَعَ إفْهامِهِ التَّرْهِيبَ: ﴿واللَّهُ﴾ أيِ: المُحِيطُ بِصِفاتِ الكَمالِ ﴿غَفُورٌ﴾ أيْ: سَتُورٌ لِذَنْبِ مَن تابَ مِن جَهْلِهِ ﴿رَحِيمٌ﴾ يُعامِلُهُ مُعامَلَةَ الرّاحِمِ فَيُسْبِغُ عَلَيْهِ نِعَمَهُ. ولَمّا تابُوا، أعْتَبَهُمُ اللَّهُ في غِلْظَتِهِمْ عَلى خَيْرِ خَلْقِهِ أنْ جَعَلَهم أغْلَظَ النّاسِ عَلى شَرِّ النّاسِ: الدَّجّالِ؛ «فَإنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «إنَّهم (p-٣٦٣)أشَدُّ النّاسِ عَلَيْهِ»».
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب