الباحث القرآني
ولَمّا قَرَّرَ سُبْحانَهُ وتَعالى عِلْمَهُ بِالعَواقِبِ لِإحاطَةِ عِلْمِهِ ووَجَّهَ أسْبابَ كَفِّهِ أيْدِيَ الفَرِيقَيْنِ وبَيَّنَ ما فِيهِ مِنَ المَصالِحِ وما في التَّسْلِيطِ مِنَ المَفاسِدِ مِن قَتْلِ مَن حُكِمَ بِإيمانِهِ مِنَ المُشْرِكِينَ وإصابَةِ (p-٣٣٣)مَن لا يُعْلَمُ مِنَ المُؤْمِنِينَ - وغَيْرِ ذَلِكَ إلى خَتْمٍ بِإحاطَةِ عِلْمِهِ المُسْتَلْزِمِ لِشُمُولِ قُدْرَتِهِ. أنْتَجَ ذَلِكَ قَوْلَهُ لِمَن تَوَقَّعَ الإخْبارَ عَنِ الرُّؤْيا الَّتِي أقْلَقَهم أمْرُها وكادَ بَعْضُهم أنْ يُزَلْزِلَهُ ذِكْرُها عَلى سَبِيلِ التَّأْكِيدِ: ﴿لَقَدْ﴾ .
ولَمّا كانَ لِلنَّظَرِ إلى الرُّؤْيا اعْتِبارانِ: أحَدُهُما مِن جِهَةِ الواقِعِ وهو غَيْبٌ عَنِ الصَّحابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهم أجْمَعِينَ: والآخَرُ مِن جِهَةِ الإخْبارِ وهو مَعَ الرُّؤْيا شَهادَةً بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ سُبْحانَهُ وتَعالى، عَبَّرَ بِالصِّدْقِ والحَقِّ فَقالَ تَعالى: ﴿صَدَقَ اللَّهُ﴾ أيِ: المَلِكُ الَّذِي لا كُفُوءَ لَهُ المُحِيطُ بِجَمِيعِ صِفاتِ الكَمالِ ﴿رَسُولَهُ﴾ ﷺ الَّذِي هو أعَزُّ الخَلائِقِ عِنْدَهُ وهو غَنِيٌّ عَنِ الإخْبارِ عَمّا لا يَكُونُ أنَّهُ يَكُونُ، فَكَيْفَ إذا كانَ المُخْبِرُ رَسُولَهُ ﴿الرُّؤْيا﴾ الَّتِي هي مِنَ الوَحْيِ؛ لِأنَّهُ سُبْحانَهُ يَرى الواقِعَ ويَعْلَمُ مُطابَقَتَها في أنَّكم تَدْخُلُونَ المَسْجِدَ الحَرامَ آمِنِينَ يُحَلِّقُ بَعْضٌ ويُقَصِّرُ آخَرُونَ، مُتَلَبِّسًا خَبَرُهُ ورُؤْيا رَسُولِهِ ﷺ ﴿بِالحَقِّ﴾ لِأنَّ مَضْمُونَ الخَبَرِ إذا وقَعَ فَطَبَّقَ بَيْنَ الواقِعِ وبَيْنَهُ، وكانَ الواقِعُ يُطابِقُهُ لا يَخْرِمُ شَيْءٌ مِنهُ عَنْ شَيْءٍ مِنهُ، والحاصِلُ أنَّكَ إذا نَسَبْتَها لِلْواقِعِ طابَقَتْهُ فَكانَ صِدْقًا، وإذا نَسَبْتَ الواقِعَ إلَيْها طابَقَها فَكانَتْ حَقًّا.
(p-٣٣٤)ولَمّا أقْسَمَ لِأجْلِ التَّأْكِيدِ لِمَن كانَ يَتَزَلْزَلُ، أجابَهُ بِقَوْلِهِ مُؤَكَّدًا بِما يُفْهِمُ القَسَمَ أيْضًا إشارَةً إلى عِظَمِ الزِّلْزالِ: ﴿لَتَدْخُلُنَّ﴾ أيْ: بَعْدَ هَذا دُخُولًا قَدْ تَحَتَّمَ أمْرُهُ ﴿المَسْجِدَ﴾ أيِ: الَّذِي يُطافُ فِيهِ بِالكَعْبَةِ ولا يَكُونُ دُخُولُهُ إلّا بِدُخُولِ الحَرَمِ ﴿الحَرامَ﴾ أيِ: الَّذِي أجارَهُ اللَّهُ مِنَ امْتِهانِ الجَبابِرَةِ ومَنَعَهُ مِن كُلِّ ظالِمٍ.
ولَمّا كانَ لا يَجِبُ عَلَيْهِ سُبْحانَهُ وتَعالى شَيْءٌ وإنْ وعَدَ بِهِ، أشارَ إلى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَأْدِيبًا لَهم أنْ يَقُولَ مِنهم بَعْدَ ذَلِكَ: ألَمْ يَقُلْ إنَّنا نَدْخُلُ البَيْتَ ونَحْوَ ذَلِكَ، ولِغَيْرِهِمْ أنْ يَقُولَ: نَحْنُ نَدْخُلُ: ﴿إنْ شاءَ اللَّهُ﴾ أيِ: الَّذِي لَهُ الإحاطَةُ بِصِفاتِ الكَمالِ، حالَ كَوْنِكم ﴿آمِنِينَ﴾ لا تَخْشَوْنَ [إلّا] اللَّهَ مُنْقَسِمِينَ بِحَسْبِ التَّحْلِيقِ والتَّقْصِيرِ إلى قِسْمَيْنِ ﴿مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ﴾ ولَعَلَّهُ أشارَ بِصِيغَةِ التَّفْعِيلِ إلى أنَّ فاعِلَ الحَقِّ كَثِيرٌ، وكَذا ﴿ومُقَصِّرِينَ﴾ غَيْرَ أنَّ التَّقْدِيمَ يُفْهِمُ أنَّ الأوَّلَ أكْثَرُ.
ولَمّا كانَ الدُّخُولُ حالَ الأمْنِ لا يَسْتَلْزِمُ الأمْنَ بَعْدَهُ قالَ تَعالى: ﴿لا تَخافُونَ﴾ أيْ: لا يَتَجَدَّدُ لَكم خَوْفٌ بَعْدَ ذَلِكَ إلى أنْ تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ عامَ الفَتْحِ قاهِرِينَ لَهم بِالنَّصْرِ، ولَمّا كانَ مِنَ المَعْلُومِ أنَّ سَبَبَ هَذا الإخْبارِ إحاطَةُ العِلْمِ، فَكانَ التَّقْدِيرُ: هَذا أمْرٌ حَقٌّ يُوَثَقُ غايَةَ (p-٣٣٥)الوُثُوقِ؛ لِأنَّهُ إخْبارُ عالِمِ الغَيْبِ والشَّهادَةِ، صَدَقَ سُبْحانَهُ فِيهِ، وما رَدَّكم عَنْهُ هَذِهِ الكَرَّةَ عَلى هَذا الوَجْهِ إلّا لِأُمُورٍ دَبَّرَها وشُؤُونٍ أحْكَمَها وقَدَّرَها، قالَ عاطِفًا عَلى: ﴿صَدَقَ﴾ مُسَبِّبًا عَنْهُ أوْ مُعَلِّلًا: ﴿فَعَلِمَ﴾ أيْ: بِسَبَبٍ، أوْ لِأنَّهُ عَلِمَ مِن أسْبابِ الفَتْحِ ومَوانِعِهِ وبِنائِهِ عَلى الحِكْمَةِ ﴿ما لَمْ تَعْلَمُوا﴾ أيْ: أيُّها الأوْلِياءُ ﴿فَجَعَلَ﴾ أيْ: بِسَبَبِ إحاطَةِ عِلْمِهِ ﴿مِن دُونِ﴾ أيْ: أدْنى رُتْبَةٍ مِن ﴿ذَلِكَ﴾ أيِ: الدُّخُولِ العَظِيمِ في هَذا العامِ ﴿فَتْحًا قَرِيبًا﴾ يُقَوِّيكم بِهِ مِن فَتْحِ خَيْبَرَ ووَضْعِ الحَرْبِ بَيْنَ العَرَبِ بِهَذا الصُّلْحِ، واخْتِلاطِ بَعْضِ النّاسِ بِسَبَبِ ذَلِكَ بِبَعْضٍ، المُوجِبِ لِإسْلامِ بَشَرٍ كَثِيرٍ تَتَقَوَّوْنَ بِهِمْ، فَتَكُونُ تِلْكَ الكَثْرَةُ والقُوَّةُ سَبَبَ هَيْبَةِ الكُفّارِ المانِعَةِ لَهم مِنَ القِتالِ، فَتَقِلُّ القَتْلى رِفْقًا بِأهْلِ حَرَمِ اللَّهِ تَعالى إكْرامًا لِهَذا النَّبِيِّ الكَرِيمِ ﷺ عَنْ إغارَةٍ وإصابَةِ مَن عِنْدَهُ مِنَ المُسْلِمِينَ المُسْتَضْعَفِينَ مِن غَيْرِ عِلْمٍ.
{"ayah":"لَّقَدۡ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّءۡیَا بِٱلۡحَقِّۖ لَتَدۡخُلُنَّ ٱلۡمَسۡجِدَ ٱلۡحَرَامَ إِن شَاۤءَ ٱللَّهُ ءَامِنِینَ مُحَلِّقِینَ رُءُوسَكُمۡ وَمُقَصِّرِینَ لَا تَخَافُونَۖ فَعَلِمَ مَا لَمۡ تَعۡلَمُوا۟ فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَ ٰلِكَ فَتۡحࣰا قَرِیبًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











