الباحث القرآني

ولَمّا أخْبَرَ سُبْحانَهُ بِالفَتْحِ عَقِبَ سُورَةِ ”الَّذِينَ كَفَرُوا“ بِشارَةً بِظُهُورِ أهْلِ هَذا الدِّينِ وإدْبارِ الكافِرِينَ - كَما سَيَأْتِي في إيلاءِ سُورَةِ النَّصْرِ بِسُورَةِ الكافِرِينَ - لِذَلِكَ عَلَّلَ [الفَتْحَ] بِالمَغْفِرَةِ وما بَعْدَها رَمْزًا إلى وفاةِ النَّبِيِّ ﷺ - بِرُوحِي هو وأبِي وأُمِّي - وإيماءً إلى أنَّ المُرادَ مِن إخْراجِهِ إلى دارِ الفَناءِ إنَّما [هُوَ] إظْهارُ الدِّينِ (p-٢٨١)القَيِّمِ وإزْهاقُ الباطِلِ لِتَعْلُوَ دَرَجَتُهُ وتَعْظُمَ رِفْعَتُهُ، فَعِنْدَ حُصُولِ الفَتْحِ ثُمَّ المُرادُ كَما كانَتْ سُورَةُ [النَّصْرِ] الوالِيَةُ لِلْكافِرِينَ رامِزَةً إلى ذَلِكَ كَما هو مَشْهُورٌ ومَذْكُورٌ ومَسْطُورٌ، فالفَتْحُ الَّذِي هو أحَدُ العَلاماتِ الثَّلاثِ المَذْكُورَةِ كَما في سُورَةِ النَّصْرِ عَلى جَمِيعِ المُناوِينَ، الَّذِي هو السَّبَبُ الأعْظَمُ في ظُهُورِ دِينِهِ عَلى الدِّينِ كُلِّهِ الَّذِي هو العَلامَةُ العُظْمى عَلى اقْتِرابِ أجَلِهِ - نَفْسِي فَداؤُهُ، وإنْسانُ عَيْنِي مِن كُلِّ سُوءٍ وِقاؤُهُ - فَقالَ تَعالى: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ﴾ مُشِيرًا بِالِانْتِقالِ مِن أُسْلُوبِ العَظَمَةِ بِالنُّونِ إلى أُسْلُوبِ الغَيْبَةِ المُشِيرِ إلى غايَةِ الكِبْرِياءِ بِالإسْنادِ إلى الِاسْمِ الأعْظَمِ إلى أنَّ هَذِهِ المَغْفِرَةَ بِحَسْبِ إحاطَةِ هَذا الِاسْمِ الجامِعِ لِجَمِيعِ الأسْماءِ الحُسْنى: ﴿ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ﴾ أيِ: الَّذِي تَقَدَّمَ في القِتالِ أمْرُكَ بِالِاسْتِغْفارِ لَهُ وهو مِمّا يَنْتَقِلُ بِهِ مِن مَقامٍ كامِلٍ إلى مَقامٍ فَوْقَهُ أكْمَلَ مِنهُ، فَتَراهُ بِالنِّسْبَةِ إلى أكْمَلِيَّةِ المَقامِ الثّانِي ذَنْبًا، وكَذا قَوْلُهُ: ﴿وما تَأخَّرَ﴾ قالَ الرّازِيُّ: المَغْفِرَةُ المُعْتَبَرَةُ لَها دَرَجاتٌ كَما أنَّ الذُّنُوبَ لَها دَرَجاتٌ ”حَسَناتُ الأبْرارِ سَيِّئاتُ المُقَرَّبِينَ“ انْتَهى. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المُرادُ: لِتُشاهِدَ المَغْفِرَةَ بِالنَّقْلَةِ إلَيْنا بَعْدَ عِلْمِ اليَقِينِ بِعَيْنِ اليَقِينِ وحَقِّ اليَقِينِ، فالمَعْنى أنَّ اللَّهَ يَتَوَفّاهُ ﷺ عَقِبَ الفَتْحِ ودُخُولِ جَمِيعِ العَرَبِ الَّذِينَ (p-٢٨٢)يَفْتَتِحُونَ جَمِيعَ البِلادِ ويَهْدِي [اللَّهُ] بِهِمْ سائِرَ العِبادِ في دِينِهِ، ويَئِسَ الشَّيْطانُ مِن أنْ يُعْبُدَ في جَزِيرَتِهِمْ إلّا بِالمُحَقَّراتِ لِوُجُودِ المَقْصُودِ مِنَ امْتِلاءِ الأكْوانِ بِحَسَناتِهِ ﷺ، وعُمُومِ ما دَلَّ عَلَيْهِ اسْمُهُ المَذْكُورُ في هاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ مِن حَمْدِهِ تَعالى بِكَمالِهِ في ذاتِهِ وصِفاتِهِ بِبُلُوغِ أتْباعِهِ إلى حَدٍّ لا يُحْصَرُونَ فِيهِ بَعْدُ، ولا يَقِفُ لَهم مَخْلُوقٌ عَلى حَدٍّ. ولَمّا كانَ تَمامُ النِّعْمَةِ يَتَحَقَّقُ بِشَيْئَيْنِ: إظْهارِ الدِّينِ والتَّقِلَّةِ إلى مُرافَقَةِ النَّبِيِّينَ، قالَ تَعالى مُخْبِرًا بِالشَّيْئَيْنِ: ﴿ويُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ﴾ بِنَقْلِكَ مِن عالَمِ الشَّهادَةِ إلى عالَمِ الغَيْبِ، ومِن عالَمِ الكَوْنِ والفَسادِ إلى عالَمِ الثَّباتِ والصَّلاحِ، الَّذِي هو أخَصُّ بِحَضْرَتِهِ وأوْلى بِرَحْمَتِهِ وإظْهارِ أصْحابِكَ مِن بَعْدِكَ عَلى جَمِيعِ أهْلِ المِلَلِ، ويَدْحَضُونَ شُبَهَ الشَّيْطانِ، ويَدْمَغُونَ كُلَّ كُفْرانٍ، ويَنْشُرُونَ راياتِ الإيمانِ في جَمِيعِ البُلْدانِ، بَعْدَ إذْلالِ أهْلِ العُدْوانِ، ومَحْوِ كُلِّ طُغْيانٍ. ولَمّا كانَتْ هِدايَتُهم مِن هِدايَتِهِ، أضافَها سُبْحانَهُ إلَيْهِ إعْلامًا لَهُ أنَّها هِدايَةٌ تَلِيقُ بِجانِبِهِ الشَّرِيفِ سُرُورًا لَهُ فَقالَ: ﴿ويَهْدِيَكَ﴾ أيْ: بِهِدايَةِ جَمِيعِ قَوْمِكَ ﴿صِراطًا مُسْتَقِيمًا﴾ أيْ: واضِحًا جَلِيلًا جَلِيًّا مُوَصِّلًا إلى (p-٢٨٣)المُرادُ مِن كِتابٍ لا عِوَجَ فِيهِ بِوَجْهٍ، هِدايَةً تَقْتَضِي لُزُومَهُ والثَّباتَ عَلَيْهِ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب