الباحث القرآني

ولَمّا أضْرَبَ عَنْ ظَنِّهِمْ أنَّ كَذِبَهم يَخْفى عَلَيْهِ بِأمْرٍ عامٍّ، وقَدَّمَهُ لِأنَّهُ أعَمُّ نَفْعًا بِما فِيهِ مِنَ الشُّمُولِ، أتْبَعَهُ الإضْرابَ عَنْ مَضْمُونِ كَلامِهِمْ فَقالَ: ﴿بَلْ﴾ أيْ: لَيْسَ تَخَلُّفُكم لِما أخْبَرْتُمْ بِهِ مِنَ الِاشْتِغالِ بِالأهْلِ والأمْوالِ ﴿ظَنَنْتُمْ﴾ وأنْتُمْ واقِفُونَ مَعَ الظُّنُونِ الظّاهِرَةِ، لَيْسَ لَكم نُفُوذٌ إلى البَواطِنِ، وأشارَ إلى تَأكُّدِ ظَنِّهِمْ عَلى زَعْمِهِمْ فَقالَ: ﴿أنْ لَنْ يَنْقَلِبَ﴾ ولَمّا كانَ الكَلامُ فِيما هو شَأْنُ الرَّسُولِ مِنَ الِانْبِعاثِ (p-٣٠٣)والمَسِيرِ، قالَ مُشِيرًا إلى [أنَّ] مَن أرْسَلَ رَسُولًا إلى شَيْءٍ وهو لا يَقْدِرُ عَلى نَصْرِهِ لِيُبَلِّغَ ذَلِكَ الشَّيْءَ إلى الغايَةِ الَّتِي أرادَها مِنهُ كانَ عاجِزًا عَمّا يُرِيدُ: ﴿الرَّسُولُ﴾ وعَظَّمَ التّابِعِينَ فَقالَ: ﴿والمُؤْمِنُونَ﴾ مُعَبِّرًا بِما يَحِقُّ لَهم مِنَ الوَصْفِ المُفْهِمِ لِلرُّسُوخِ وأفْهَمَ تَأْكِيدَ ذَلِكَ عِنْدَهم بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إلى أهْلِيهِمْ أبَدًا﴾ أيْ: لِما في قُلُوبِكم مِن عَظَمَةِ المُشْرِكِينَ وحَقارَةِ المُؤْمِنِينَ فَحَمَلَكم ذَلِكَ عَلى أنْ قُلْتُمْ: ما هم في قُرَيْشٍ إلّا أكَلَةُ رَأْسٍ. ولَمّا كانَ الإنْسانُ قَدْ يَظُنُّ ما لا يَجِبُ، قالَ مُشِيرًا بِالبِناءِ لِلْمَفْعُولِ إلى أنَّ ما حَوَتْهُ قُلُوبُهم مِمّا يَنْبَغِي أنْ يُنَزَّهَ سُبْحانَهُ وتَعالى عَنْ نِسْبَتِهِ إلَيْهِ وإنْ كانَ هو الفاعِلَ لَهُ في الحَقِيقَةِ: ﴿وزُيِّنَ ذَلِكَ﴾ أيِ: الأمْرُ القَبِيحُ الَّذِي خَرابُ الدُّنْيا ﴿فِي قُلُوبِكُمْ﴾ حَتّى أحْبَبْتُمُوهُ. ولَمّا عُلِمَ أنَّ ذَلِكَ سُوءٌ، صَرَّحَ بِهِ عَلى وجْهٍ يَعُمُّ غَيْرَهُ فَقالَ: ﴿وظَنَنْتُمْ﴾ أيْ: بِذَلِكَ وغَيْرِهِ مِمّا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِن إظْهارِ الكُفْرِ وما يَتَفَرَّعُ مِنهُ ﴿ظَنَّ السَّوْءِ﴾ أيِ: الَّذِي لَمْ يَدَعْ شَيْئًا مِمّا يُكْرَهُ غايَةَ الكَراهَةِ إلّا أحاطَ بِهِ. و[لَمّا] انْكَشَفَ جَمِيعُ أمْرِهِ كَشْفَ أثَرِهِ فَقالَ: ﴿وكُنْتُمْ﴾ أيْ: بِالنَّظَرِ إلى جَمْعِكم مِن حَيْثُ هو جَمْعٌ في عِلْمِنا قَبْلَ ذَلِكَ بِما جَبَلْناكم عَلَيْهِ وعَلى ما كَشَفَهُ الحالُ عَنْهُ مَن لَهُ بَصِيرَةٌ ﴿قَوْمًا﴾ (p-٣٠٤)أيْ مَعَ قُوَّتِكم عَلى ما تُحاوِلُونَهُ ﴿بُورًا﴾ أيْ: في غايَةِ الهَلاكِ والكَسادِ والفَسادِ، وعَدَمِ الخَيْرِ؛ لِأنَّكم جُبِلْتُمْ عَلى ذَلِكَ الفَسادِ، فَلا انْفِكاكَ لَهم عَنْهُ، وهَذا كَما مَضى بِالنَّظَرِ إلى الجَمِيعِ مِن حَيْثُ هو جَمْعٌ لا بِالنِّسْبَةِ إلى كُلِّ فَرْدٍ؛ فَإنَّهُ قَدْ أخْلَصَ مِنهم بَعْدَ ذَلِكَ كَثِيرٌ، وثَبَتُوا فَلَمْ يَرْتَدُّوا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب