الباحث القرآني
ولَمّا ذَكَرَ سُبْحانَهُ وتَعالى أهْلَ بَيْعَةِ الرِّضْوانِ، وأضافَهم إلى حَضْرَةِ الرَّحْمَنِ، تَشَوَّفَ السّامِعُ إلى الخَبَرِ عَمَّنْ غابَ عَنْ ذَلِكَ الجَنابِ، وأبْطَأ عَنْ حَضْرَةِ تِلْكَ العُمْرَةِ، فاسْتُؤْنِفَ الإخْبارُ عَمّا يُنافِقُونَ بِهِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿سَيَقُولُ﴾ أيْ: بِوَعْدٍ لا خُلْفَ فِيهِ، وأكَّدَ أمْرَ نِفاقِهِمْ تَنْبِيهًا عَلى جَلَدِهِمْ فِيهِ ووِقاصِهِمْ بِهِ ولُطْفِ النَّبِيِّ ﷺ وشِدَّةِ رَحْمَتِهِ [ورِفْقِهِ] وشَفَقَتِهِ فَقالَ: ﴿لَكَ﴾ أيْ: لِأنَّهم يَعْلَمُونَ أنَّكَ ألْطَفُ الخَلْقِ عِشْرَةً وأعْظَمُهم شَفَقَةً عَلى عِبادِ اللَّهِ، فَهم يَطْمَعُونَ في قَبُولِكَ مِن فَسادِ عُذْرِهِمْ ما لا يَطْمَعُونَ فِيهِ مِن غَيْرِكَ مِن خُلَّصِ المُؤْمِنِينَ، وغابَ عَنْهُمْ، لِما عِنْدَهم مِن غِلَظِ الأكْبادِ أنَّ الكَذِبَ بِحَضْرَتِكَ في غايَةِ القَباحَةِ؛ لِأنَّكَ أعْظَمُ الخَلْقِ وأفْطَنُهُمْ، مَعَ ما يَأْتِيكَ مِنَ الأنْباءِ عَنْ عَلّامِ الغُيُوبِ، وحَقَّرَ أمْرَهم بِسَلْبِ العَقْلِ عَنْهم وجَعْلِهِمْ مَفْعُولِينَ لا فاعِلِينَ إشارَةً إلى أنَّهم طُرِدُوا عَنْ هَذا المَقامِ؛ لِأنَّهم أشْرارٌ لِئامٌ، فَقالَ تَعالى: ﴿المُخَلَّفُونَ﴾ أيِ: الَّذِينَ - خَلَّفَهُمُ اللَّهُ عَنْكَ ولَمْ يَرْضَهم (p-٣٠٠)لِصُحْبَتِكَ في هَذِهِ العُمْرَةِ، فَجَعَلَهم كالشَّيْءِ التّافِهِ الَّذِي يُخَلِّفُهُ الإنْسانُ؛ لِأنَّهُ لا فائِدَةَ فِيهِ فَلا يُؤْبَهُ لَهُ ولا يُعْبَأُ بِهِ، وذَلِكَ أنَّهُ ﷺ لَمّا أرادَ الِاعْتِمارَ نَدَبَ أصْحابَهُ رِضْوانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ لِذَلِكَ، ونَدَبَ مِنَ الأعْرابِ الَّذِينَ حَوْلَ المَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ مَن كانَ قَدْ أقَرَّ بِالإسْلامِ، فَلَمْ يُرِدِ اللَّهُ حُضُورَهُمْ؛ لِأنَّ إسْلامَهم لَمْ يَكُنْ خالِصًا فَلَوْ حَضَرُوا لَفَسَدَ بِهِمُ الحالُ، وإنَّ حِفْظَ اللَّهِ بِحَوْلِهِ وقُوَّتِهِ مِنَ الفَسادِ، أعْقَبَ ذَلِكَ فَسادًا آخَرَ وهو أنْ يُقالَ: إنَّهُ لَمْ يَكُفَّ عَنْهُمُ الأعْداءَ إلّا الكَثْرَةُ، فَتَخَلَّفُوا لِما عَلِمَ اللَّهُ في تَخَلُّفِهِمْ مِنَ الحِكَمِ.
ولَمّا كانَ قَدْ تَخَلَّفَ بِالجَسَدِ مِن خُلَّصِ الأنْصارِ وغَيْرِهِمْ مَن كانَ حاضِرًا مَعَهُ ﷺ بِالقَلْبِ [أخْرَجَهم بِقَوْلِهِ]: ﴿مِنَ الأعْرابِ﴾ أيْ: أهْلِ البادِيَةِ كَذِبًا وبُهْتانًا جُرْأةً عَلى اللَّهِ ورَسُولِهِ ﴿شَغَلَتْنا﴾ أيْ: عَنْ إجابَتِكَ في هَذِهِ العُمْرَةِ ﴿أمْوالُنا وأهْلُونا﴾ أيْ: لِأنّا لَوْ تَرَكْناها ضاعَتْ؛ لِأنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَنا مَن يَقُومُ بِها وأنْتَ قَدْ نَهَيْتَ عَنْ إضاعَةِ المالِ والتَّفْرِيطِ في العِيالِ، ثُمَّ سَبَّبُوا عَنْ هَذا القَوْلِ المُرادِ بِهِ السُّوءُ قَوْلَهُمْ: ﴿فاسْتَغْفِرْ﴾ أيِ اطْلُبِ المَغْفِرَةَ ﴿لَنا﴾ مِنَ اللَّهِ إنْ كُنّا أخْطَأْنا أوْ قَصَّرْنا.
ولَمّا كانَ هَذا رُبَّما يَغْتَرُّ بِهِ مَن لا خِبْرَةَ لَهُ، رَدَّهُ تَعالى بِقَوْلِهِ مُنَبِّهًا (p-٣٠١)عَلى أنَّ مَن صَدَقَ مَعَ اللَّهِ لَمْ يَشْغَلْهُ عَنْهُ شاغِلٌ، ومَن شَغَلَهُ عَنْهُ شَيْءٌ كانَ شُؤْمًا عَلَيْهِ: ﴿يَقُولُونَ﴾ وعَبَّرَ بِالمُضارِعِ إشارَةً إلى أنَّ هَذا دَيْدَنٌ لَهم لا يَنْفَكُّونَ عَنْهُ. ولَمّا صَحَّ بَعْدَ ذَلِكَ إيمانٌ، لَمْ يُعَبِّرْ بِالأفْواهِ دَأْبَهُ، في المُنافِقِينَ، بَلْ قالَ: ﴿بِألْسِنَتِهِمْ﴾ أيْ: في الشُّغْلِ والِاسْتِغْفارِ، وأكَّدَ ما أفْهَمَهُ ذِكْرُ اللِّسانِ مِن أنَّهُ قَوْلٌ ظاهِرِيٌّ نَفْيًا لِلْكَلامِ الحَقِيقِيِّ الَّذِي هو النَّفْسِيُّ بِكُلِّ اعْتِبارٍ بِقَوْلِهِ: ﴿ما لَيْسَ في قُلُوبِهِمْ﴾ لِأنَّهم لَمْ يَكُنْ لَهم شُغْلٌ ولا كانَتْ لَهم نِيَّةٌ في سُؤالِ الِاسْتِغْفارِ.
ولَمّا كانَ فِعْلُهم هَذا مِن تَخَلُّفِهِمْ واعْتِلالِهِمْ وسُؤالِهِمُ الِاسْتِغْفارَ ظَنًّا مِنهم أنَّهم يَدْفَعُونَ عَنْ أنْفُسِهِمْ بِذَلِكَ المَكْرُوهِ ويُحَصِّلُونَ لَها المَحْبُوبَ وكانَ كَأنَّهُ قِيلَ: قَدْ عَلِمَ كَذِبَهُمْ، فَماذا يُقالُ لَهُمْ؟ اسْتَأْنَفَ سُبْحانَهُ الجَوابَ بِقَوْلِهِ: ﴿قُلْ﴾ أيْ: لِهَؤُلاءِ الأغْبِياءِ واعِظًا لَهم مُسَبِّبًا عَنْ مُخادَعَتِهِمْ لِمَن لا يَخْفى عَلَيْهِ خافِيَةٌ إشارَةً إلى أنَّ العاقِلَ يَقْبُحُ عَلَيْهِ أنْ يُقْدِمَ عَلى ما هو بِحَيْثُ تُخْشى عاقِبَتُهُ: ﴿فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ﴾ أيُّها المُخادِعُونَ ﴿مِنَ اللَّهِ﴾ أيِ: المَلِكِ الَّذِي لا أمْرَ لِأحَدٍ مَعَهُ لِأنَّهُ لا كُفُوءَ لَهُ ﴿شَيْئًا﴾ يَمْنَعُكم مِنهُ ﴿إنْ أرادَ بِكُمْ﴾ أيْ: خاصَّةً ﴿ضَرًّا﴾ أيْ: نَوْعًا مِن أنْواعِ الضَّرَرِ عَظِيمًا أوْ حَقِيرًا، فَأهْلَكَ الأمْوالَ والأهْلِينَ وأنْتُمْ مُحْتاطُونَ في حِفْظِهِما (p-٣٠٢)فَلا يَنْفَعُها حُضُورُكم أوْ أهْلَكَكم أنْتُمْ ﴿أوْ أرادَ بِكم نَفْعًا﴾ بِحِفْظِهِما بِهِ مَعَ غَيْبَتِكم فَلا يَضُرُّها بُعْدُكم عَنْها، ويَحْفَظُكم في أنْفُسِكُمْ، وقَدْ عُلِمَ مِن تَصْنِيفِهِ سُبْحانَهُ حالَهم إلى صِنْفَيْنِ مَعَ الإبْهامِ أنَّهُ يَكُونُ لِبَعْضِهِمُ الضُّرُّ لِأنَّ مِنهم مَنِ ارْتَدَّ في زَمَنِ الرِّدَّةِ، ولِبَعْضِهِمُ النَّفْعُ لِأنَّهُ ثَبَتَ عَلى الإسْلامِ.
ولَمّا كانَ التَّقْدِيرُ قَطْعًا: لا أحَدَ يَمْلِكُ مِنهُ سُبْحانَهُ لَهم شَيْئًا مِن ذَلِكَ بَلْ هو قادِرٌ عَلى كُلِّ ما يُرِيدُ مِنهُ، وفِعْلُكم لِما عِنْدَكم مِنَ الجَلافَةِ والغَباوَةِ والكَثافَةِ فِعْلُ مَن يَظُنُّ أنَّهُ لا يَقْدِرُ عَلَيْكم ولا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمّا تَعْمَلُونَ، فَيَخْفى عَلَيْهِ كَذِبُكُمْ، ولَيْسَ الأمْرُ كَما ظَنَنْتُمْ؛ فَإنَّهُ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِن أعْمالِكُمْ، بَنى عَلَيْهِ ما أرْشَدَ إلى تَقْدِيرِهِ فَقالَ تَعالى: ﴿بَلْ كانَ اللَّهُ﴾ أيِ: المُحِيطُ أزَلًا وأبَدًا بِكُلِّ شَيْءٍ قُدْرَةً وعِلْمًا ﴿بِما تَعْمَلُونَ﴾ أيِ: الجَهَلَةُ ﴿خَبِيرًا﴾ أيْ: يَعْلَمُ بَواطِنَ أُمُورِكم هَذِهِ وغَيْرِها كَما يَعْلَمُ ظَواهِرَها.
{"ayah":"سَیَقُولُ لَكَ ٱلۡمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ شَغَلَتۡنَاۤ أَمۡوَ ٰلُنَا وَأَهۡلُونَا فَٱسۡتَغۡفِرۡ لَنَاۚ یَقُولُونَ بِأَلۡسِنَتِهِم مَّا لَیۡسَ فِی قُلُوبِهِمۡۚ قُلۡ فَمَن یَمۡلِكُ لَكُم مِّنَ ٱللَّهِ شَیۡـًٔا إِنۡ أَرَادَ بِكُمۡ ضَرًّا أَوۡ أَرَادَ بِكُمۡ نَفۡعَۢاۚ بَلۡ كَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِیرَۢا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











