الباحث القرآني

ولَمّا كانَ الجَزاءُ مِن جِنْسِ العَمَلِ، عَلَّلَ ما تَقَدَّمَ مِن فِعْلِهِ بِالفَرِيقَيْنِ بِقَوْلِهِ: ﴿ذَلِكَ﴾ أيِ: الأمْرُ العَظِيمُ الَّذِي ذُكِرَ هُنا مِن جَزاءِ الطّائِفَتَيْنِ ﴿بِأنَّ﴾ أيْ: بِسَبَبِ أنَّ ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أيْ: سَتَرُوا مَرائِيَ عُقُولِهِمْ ﴿اتَّبَعُوا﴾ أيْ: بِغايَةِ جُهْدِهِمْ ومُعالَجَتِهِمْ لِما قادَتْهم إلَيْهِ فِطَرُهُمُ الأُولى ﴿الباطِلَ﴾ مِنَ العَمَلِ الَّذِي لا حَقِيقَةَ [لَهُ] في الخارِجِ يُطابِقُهُ، وذَلِكَ هو الِابْتِداعُ والمَيْلُ مَعَ الهَوى إيثارًا لِلْحُظُوظِ فَضَلُّوا ﴿وأنَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أيْ: ولَوْ كانُوا في أقَلِّ دَرَجاتِ الإيمانِ ﴿اتَّبَعُوا﴾ (p-٢٠٠)أيْ بِغايَةِ جُهْدِهِمْ مُتابِعِينَ لِما تَدْعُو إلَيْهِ الفِطْرَةُ الأُولى مُخالِفِينَ لِنَوازِعِ الشَّهَواتِ ودَواعِي الحُظُوظِ عَلى كَثْرَتِها وقُوَّتِها ﴿الحَقَّ﴾ أيِ: الَّذِي لَهُ واقِعٌ يُطابِقُهُ وذَلِكَ هو الحِكْمَةُ وهي العَمَلُ بِمُوافَقَةِ العِلْمِ وهو مَعْرِفَةُ المَعْلُومِ عَلى ما [هُوَ] عَلَيْهِ ﴿مِن رَبِّهِمْ﴾ الَّذِي أحْسَنَ إلَيْهِمْ بِإيجادِهِمْ وما سَبَّبَهُ مِن حُسْنِ اعْتِقادِهِمْ فاهْتَدَوْا. ولَمّا عُلِمَ مِن هَذا أنَّ باطِنَ حالِ الَّذِينَ كَفَرُوا الباطِلُ، وباطِنَ حالِ الَّذِينَ آمَنُوا الحَقُّ، وتَقَدَّمَ في البَقَرَةِ أنَّ المَثَلَ هو ما يَتَحَصَّلُ في باطِنِ الإدْراكِ مِن حَقائِقِ الأشْياءِ المَحْسُوسَةِ، فَيَكُونُ ألْطَفَ مِنَ الشَّيْءِ المَحْسُوسِ، وأنَّ ذَلِكَ هو وجْهُ الشَّبَهِ، عُلِمَ أنَّ مَثَلَ كُلٍّ مِنَ الفَرِيقَيْنِ ما عُلِمَ مِن باطِنِ حالِهِ فَمَثَلُ الأوَّلِ الباطِلُ ومَثَلُ الثّانِي الحَقُّ؛ فَلِذَلِكَ قالَ سُبْحانَهُ اسْتِئْنافًا جَوابًا لِمَن كَأنْ قالَ لِما أدْرَكَهُ مِن دَهَشِ العَقْلِ لِما راعَهُ مِن عُلُوِّ هَذا المَقالِ: هَلْ [يُضْرَبُ] مَثَلٌ مِثْلَ هَذا: ﴿كَذَلِكَ﴾ أيْ: مِثْلَ هَذا الضَّرْبِ العَظِيمِ الشَّأْنِ ﴿يَضْرِبُ اللَّهُ﴾ [أيِ] الَّذِي لَهُ الإحاطَةُ بِجَمِيعِ صِفاتِ الكَمالِ ﴿لِلنّاسِ﴾ أيْ: كُلِّ مَن فِيهِ قُوَّةُ الِاضْطِرابِ والحَرَكَةِ ﴿أمْثالَهُمْ﴾ أيْ: أمْثالَ أنْفُسِهِمْ وأمْثالَ (p-٢٠١)الفَرِيقَيْنِ المُتَقَدِّمَيْنِ أوْ أمْثالَ جَمِيعِ الأشْياءِ الَّتِي يَحْتاجُونَ إلى بَيانِ أمْثالِها مُبَيِّنًا لَها مِثْلَ هَذا البَيانِ لِيَأْخُذَ كُلُّ واحِدٍ مِن ذَلِكَ جَزاءَ حالِهِ، فَقَدْ عُلِمَ مِن هَذا المَثَلِ أنَّ مَنِ اتَّبَعَ الباطِلَ أضَلَّ اللَّهُ عَمَلَهُ ووَفَّرَ سَيِّئاتِهِ وأفْسَدَ بالَهُ، ومَنِ اتَّبَعَ الحَقَّ عَمِلَ بِهِ ضِدَّ ذَلِكَ كائِنًا مَن كانَ، وهو غايَةُ الحَثِّ عَلى طَلَبِ العِلْمِ في كِتابِ اللَّهِ وسُنَّةِ رَسُولِهِ ﷺ والعَمَلِ بِهِما.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب