الباحث القرآني
ولَمّا دَلَّتْ هَذِهِ الآياتُ بِعَظِيمِ حُجَجِها وزِخارِ ما أغْرَقَ مِن لُجُجِها، عَلى أنَّ ما يَدِينُونَ بِهِ أوْهى مِنَ الخَيالِ، وأنَّ هَذا الكِتابَ في صِدْقِهِ وكُلِّ شَيْءٍ مِن أمْرِهِ أثْبَتُ مِنَ الجِبالِ، فَكانُوا أجْدَرَ الخَلْقِ بِأنْ يَقُولُوا: رَجَعْنا عَمّا كُنّا فِيهِ وآمَنّا، كانَ مَوْضِعَ أنْ يُقالَ: هَلْ أقَرُّوا بِأنَّكَ صادِقٌ في نِسْبَةِ هَذا الكِتابِ إلى اللَّهِ، فَعادَلَهُ بِقَوْلِهِ دَلِيلًا عَلَيْهِ: ﴿أمْ يَقُولُونَ﴾ مُجَدِّدِينَ لِذَلِكَ مُتابِعِينَ لَهُ ﴿افْتَراهُ﴾ أيْ: تَعَمَّدَ كَذِبَهُ، فَيَكُونُ ذَلِكَ مِن قَوْلِهِمْ عَجَبًا لِأنَّهُ قَوْلٌ مَقْرُونٌ بِما يُكَذِّبُهُ ويُبْطِلُهُ كَما يَأْتِي في تَقْرِيرِهِ.
ولَمّا كانَ كَأنَّهُ قِيلَ: إنَّهم لَيَقُولُونَ ذَلِكَ، وقَدْ قَرَّحُوا القُلُوبَ بِهِ فَماذا يَرُدُّهم عَنْهُ؟ [قِيلَ]: ﴿قُلْ﴾ ما هو أشَدُّ عَلَيْهِمْ مِن وقْعِ النَّبْلِ، وهو ما يَرُدُّ ما رَمَوْكَ بِهِ عَلَيْهِمْ بِحُجَّةٍ هي أجْلى مِنَ الشَّمْسِ في الظَّهِيرَةِ صَحْوًا لَيْسَ دُونَها سَحابٌ. ولَمّا كانَ مِن عادَةِ المُلُوكِ أنَّهُ مَتى كَذَبَ عَلَيْهِمْ أحَدٌ عاجَلُوهُ بِالعُقُوبَةِ قالَ: ﴿إنِ افْتَرَيْتُهُ﴾ أيْ: تَعَمَّدْتُ (p-١٣١)كَذِبَهُ عَلى زَعْمِكم وأنا إنَّما أُرِيدُ [بِهِ] نَصِيحَتَكُمْ، فالَّذِي أفْتَرِيهِ عَلَيْهِ وأنْسِبُهُ إلَيْهِ يُعاقِبُنِي عَلى ذَلِكَ ولا يَتْرُكُنِي أصْلًا، وذَلِكَ هو مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿فَلا تَمْلِكُونَ﴾ أيْ: أيُّها المَنصُوحُونَ في وقْتٍ مِنَ الأوْقاتِ بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ ﴿لِي مِنَ اللَّهِ﴾ أيِ: المَلِكِ الأعْظَمِ العَزِيزِ المُتَكَبِّرِ الحَكِيمِ ﴿شَيْئًا﴾ مِمّا يَرُدُّ عَنِّي انْتِقامَهُ مِنِّي؛ لِأنَّ المَلِكَ لا يَتْرُكُ مَن كَذَبَ عَلَيْهِ مُطْلَقَ كَذِبٍ، فَكَيْفَ بِمَن يَتَعَمَّدُ الكَذِبَ عَلَيْهِ في الرِّسالَةِ بِأُمُورٍ عَظِيمَةٍ ويُلازِمُهُ مَساءً وصَباحًا غُدُوًّا ورَواحًا، فَأيُّ حامِلٍ لِي حِينَئِذٍ عَلى افْتِرائِهِ، والمَقْصُودُ [بِهِ] لا يَنْفَعُنِي، والمَكْذُوبُ عَلَيْهِ لا يَتْرُكُنِي؛ ثُمَّ عَلَّلَ ما أفادَهُ الكَلامُ مِن وُجُوبِ الِانْتِقامِ بِقَوْلِهِ: ﴿هُوَ أعْلَمُ﴾ أيْ: مِنكم ومِن كُلِّ أحَدٍ ﴿بِما تُفِيضُونَ فِيهِ﴾ مِن نِسْبَتِي إلى الكَذِبِ، فَلَوْ أنَّهُ كَما تَقُولُونَ ما ناظَرَنِي فَضْلًا عَنْ أنَّهُ يُؤَيِّدُنِي ويَنْصُرُنِي، وفِيهِ عَلى ذَلِكَ تَهْدِيدٌ لَهم وتَسْلِيَةٌ لَهُ وتَفْرِيجٌ عَنْهُ.
ولَمّا كانَ الإمْلاءُ وحْدَهُ لَيْسَ قاطِعًا في ذَلِكَ وإنْ كانَ ظاهِرًا فِيهِ، فَكانَ لا بُدَّ في دَعْوى الصِّدْقِ مِن دَلِيلٍ قاطِعٍ وبُرْهانٍ ساطِعٍ، وكانَتْ شَهادَةُ المَلِكِ الَّذِي الكَلامُ فِيهِ أعْظَمُ الأدِلَّةِ لِأنَّهُ الأعْلَمُ، ومَدارُ الشَّهادَةِ العِلْمُ، فَأنْتَجَ الكَلامُ قَطْعًا قَوْلَهُ: ﴿كَفى﴾ وأكَّدَ الكَلامَ بِما قُرِنَ بِالفاعِلِ مِن حَرْفِ الجَرِّ تَحْقِيقًا لِلْفِعْلِ ونَفْيًا لِلْمَجازِ فَقالَ: ﴿بِهِ شَهِيدًا﴾ (p-١٣٢)أيْ: شاهِدًا بَلِيغَ الشَّهادَةِ؛ لِأنَّهُ الأعْلَمُ بِجَمِيعِ أحْوالِنا ﴿بَيْنِي وبَيْنَكُمْ﴾ يَشْهَدُ بِنَفْسِهِ الأقْدَسِ لِلصّادِقِ مِنّا وعَلى الكاذِبِ، وقَدْ شَهِدَ بِصِدْقِي بِعَجْزِكم عَنْ مُعارَضَةِ شَيْءٍ مِن هَذا الكِتابِ الَّذِي أتَيْتُ بِهِ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أنَّهُ كَلامُهُ لِأنِّي لا أقْدِرُ وحْدِي عَلى ما لا تَقْدِرُونَ عَلَيْهِ فُرادى ولا مُجْتَمِعِينَ وأنْتُمْ عَرَبٌ مِثْلِي، بَلْ [و] أنا أُمِّيٌّ وفِيكم [أنْتُمُ] الكَتَبَةُ والَّذِينَ خالَطُوا العُلَماءَ وسَمِعُوا أحادِيثَ الأُمَمِ وضَرَبُوا - بَعْدَ بِلادِ العَجَمِ - في بِلادِ العَرَبِ، فَظَهَرَ بِذَلِكَ ظُهُورَ الشَّمْسِ أنَّكم كاذِبُونَ ﴿وهُوَ الغَفُورُ﴾ الَّذِي مِن شَأْنِهِ أنْ يَمْحُوَ الذُّنُوبَ كُلَّها أعْيانَها وآثارَها فَلا يُعاقِبُ عَلَيْها ولا يُعاتِبُ ﴿الرَّحِيمُ﴾ الَّذِي يُكْرِمُ بَعْدَ المَغْفِرَةِ ويُفَضِّلُ بِالتَّوْفِيقِ لِما يُرْضِيهِ، فَفي هَذا الخِتامِ تَرْغِيبٌ لِلنَّبِيِّ ﷺ في الصَّفْحِ عَنْهم فِيما نَسَبُوهُ إلَيْهِ في افْتِتاحِها مِنَ الِافْتِراءِ، ونَدْبٌ إلى الإحْسانِ إلَيْهِمْ، وتَرْغِيبٌ لَهم في التَّوْبَةِ، ومَنعٌ مِن أنْ يَقُولُوا: فَلِمَ لا يُعاجِلُنا بِالعُقُوبَةِ عَلى نِسْبَتِنا لَكَ [إلى] الكَذِبِ إنْ كُنْتَ صادِقًا بِأنَّهُ يَجُوزُ أنْ يُمْهِلَ الكاذِبَ، وأمّا أنَّهُ يُؤَيِّدُهُ بِما يَشُدُّ بِهِ كَذِبَهُ اللّازِمَ مِنهُ أنَّهُ يَزِيدُ فِيهِ فَلا يَجُوزُ، لِأنَّ ذَلِكَ قادِحٌ [فِي] الحِكْمَةِ وفي الكِبْرِياءِ وفي المُلْكِ.
{"ayah":"أَمۡ یَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰهُۖ قُلۡ إِنِ ٱفۡتَرَیۡتُهُۥ فَلَا تَمۡلِكُونَ لِی مِنَ ٱللَّهِ شَیۡـًٔاۖ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَا تُفِیضُونَ فِیهِۚ كَفَىٰ بِهِۦ شَهِیدَۢا بَیۡنِی وَبَیۡنَكُمۡۖ وَهُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِیمُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق