الباحث القرآني

ولَمّا أبْطَلَ سُبْحانَهُ وتَعالى قَوْلَهم في الأصْنامِ بِعَدَمِ قُدْرَتِها عَلى إتْيانِ شَيْءٍ مِن ذَلِكَ لِأنَّها مِن جُمْلَةِ مَخْلُوقاتٍ في الأصْلِ، أتْبَعَهُ إبْطالَهُ بِعَدَمِ عِلْمِها لِيُعْلَمَ قَطْعًا أنَّهم أضَلُّ النّاسِ حَيْثُ ارْتَبَطُوا في أجَلِّ الأشْياءِ - وهو أُصُولُ الدِّينِ - بِما لا دَلِيلَ عَلَيْهِ أصْلًا، فَقالَ تَعالى مُنْكِرًا أنْ يَكُونَ أحَدٌ أضَلَّ مِنهُمْ، عاطِفًا عَلى ما هَدى السِّياقُ حَتْمًا إلى تَقْدِيرِهِ وهُوَ: فَمَن أضَلُّ مِمَّنْ يَدَّعِي شَيْئًا مِنَ الأشْياءِ وإنْ قَلَّ بِلا دَلِيلٍ: ﴿ومَن أضَلُّ مِمَّنْ﴾ يَدَّعِي أعْظَمَ الأشْياءِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ ما عَقْلِيٍّ ولا نَقْلِيٍّ، فَهو ﴿يَدْعُو﴾ ما لا قُدْرَةَ لَهُ ولا عِلْمَ، وما انْتَفَتْ قُدْرَتُهُ وعِلْمُهُ لَمْ تَصِحَّ عِبادَتُهُ بِبَدِيهَةِ العَقْلِ، وأرْشَدَ إلى سُفُولِها بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿مِن دُونِ اللَّهِ﴾ أيْ: مِن أدْنى (p-١٢٧)رُتْبَةٍ [مِن رُتَبِ] الَّذِي لَهُ جَمِيعُ صِفاتِ الجَلالِ والجَمالِ والكَمالِ، فَهو سُبْحانُهُ يَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ ويَقْدِرُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ بِحَيْثُ يُجِيبُ الدُّعاءَ ويَكْشِفُ البَلاءَ ويُحَقِّقُ الرَّجاءَ إذا شاءَ، ويُدَبِّرُ عَبْدَهُ لِما يَعْلَمُ مِن سِرِّهِ وعَلَنِهِ بِما لا يَقْدِرُ هو عَلى تَدْبِيرِ نَفْسِهِ [بِهِ]، ويُرِيدُ العَبْدُ في كَثِيرٍ مِنَ الأشْياءِ ما لَوْ وُكِلَ [العَبْدُ] فِيهِ إلى نَفْسِهِ وأُجِيبَ إلى طُلْبَتِهِ كانَ فِيهِ حَتْفُهُ، فَيُدَبِّرُهُ سُبْحانَهُ بِما تَشْتَدُّ كَراهِيَتُهُ لَهُ فَيَكْشِفُ الحالُ عَنْ أنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَرَجٌ إلّا فِيهِ ﴿مَن لا يَسْتَجِيبُ لَهُ﴾ أيْ: لا يُوجِدُ الإجابَةَ ولا يَطْلُبُ إيجادَها مِنَ الأصْنامِ وغَيْرِها لِأنَّهُ لا أهْلِيَّةَ لَهُ لِذَلِكَ. ولَمّا كانَ أقَلُّ الِاسْتِجابَةِ مُطْلَقَ الكَلامِ، وكانُوا في الآخِرَةِ يُكَلِّمُونَهم في الجُمْلَةِ وإنْ كانَ بِما يَضُرُّهُمْ، غَيّا هَذا النَّفْيَ بِوَقْتٍ لا يَنْفَعُ فِيهِ اسْتِجابَةٌ أصْلًا ولا يُغْنِي أحَدٌ عَنْ أحَدٍ أبَدًا فَقالَ تَعالى: ﴿إلى يَوْمِ القِيامَةِ﴾ أيِ: الَّذِي صَرَّفْنا لَهم مِن أدِلَّتِهِ ما هو أوْضَحُ مِنَ الشَّمْسِ ولا يَزِيدُهم لَكَ إلّا إنْكارًا ورُكُونًا إلى ما لا دَلِيلَ عَلَيْهِ أصْلًا وهم يَدَّعُونَ الهِدايَةَ ويَعِيبُونَ أشَدَّ عَيْبٍ الغَوايَةَ. ولَمّا كانَ مَن لا يَسْتَجِيبُ قَدْ يَكُونُ لَهُ [عِلْمٌ] بِطاعَةِ الإنْسانِ لَهُ تُرْجى مَعَهُ إجابَتُهُ يَوْمًا ما، نَفى (p-١٢٨)ذَلِكَ بِقَوْلِهِ زِيادَةً في عَيْبِهِمْ في دُعاءِ ما لا رَجاءَ في نَفْعِهِ: ﴿وهم عَنْ دُعائِهِمْ﴾ أيْ: دُعاءِ المُشْرِكِينَ إيّاهم ﴿غافِلُونَ﴾ أيْ: لَهم هَذا الوَصْفُ ثابِتٌ لا يَنْفَكُّونَ عَنْهُ، لا يَعْلَمُونَ مَن يَدْعُوهم ولا مَن لا يَدْعُوهُمْ، وعَبَّرَ بِالغَفْلَةِ الَّتِي هي مِن أوْصافِ العُقَلاءِ لِلْجَمادِ تَغْلِيبًا إنْ كانَ المُرادُ أعَمَّ مِنَ الأصْنامِ وغَيْرِها مِمَّنْ عَبَدُوهُ مِن عُقَلاءِ الإنْسِ والجِنِّ وغَيْرِهِمْ واتِّصافًا إنْ كانَ المُرادُ الأصْنامَ خاصَّةً، أوْ تَهَكُّمًا كَأنَّهُ قِيلَ: هم عُلَماءُ فَإنَّكم أجَلُّ مَقامًا مِن أنْ تَعْبُدُوا ما لا يَعْقِلُ، وإنَّما عَدَمُ اسْتِجابَتِهِمْ لَكم دائِمًا غَفْلَةٌ دائِمَةٌ كَما تَقُولُ لِمَن كَتَبَ كِتابًا كُلُّهُ فاسِدٌ: أنْتَ عالِمٌ لَكِنَّكَ كُنْتَ ناعِسًا - ونَحْوَ هَذا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب