الباحث القرآني
ولَمّا ثَبَتَ في الجاثِيَةِ مَضْمُونُ قَوْلِهِ تَعالى في الدُّخانِ: ﴿وما خَلَقْنا السَّماواتِ والأرْضَ وما بَيْنَهُما لاعِبِينَ﴾ [الدخان: ٣٨] بِما ذُكِرَ فِيهِما مِنَ [الآياتِ و] المَنافِعِ والحِكَمِ، أثْبَتَ [هُنا] مَضْمُونَ [ما بَعْدَ] ذَلِكَ بِزِيادَةِ الأجَلِ فَقالَ دالًّا عَلى عِزَّتِهِ وحِكْمَتِهِ: ﴿ما خَلَقْنا﴾ أيْ: عَلى ما لَنا مِنَ العَظَمَةِ المُوجِبَةِ لِلتَّفَرُّدِ بِالكِبْرِياءِ ﴿السَّماواتِ والأرْضَ﴾ عَلى ما فِيهِما مِنَ الآياتِ الَّتِي فُصِّلَ بَعْضُها في الجاثِيَةِ. ولَمّا كانَ مِنَ المَقاصِدِ هُنا الرَّدُّ عَلى المَجُوسِ وغَيْرِهِمْ مِمَّنْ ثَبَتَ خَلْقًا لِغَيْرِ اللَّهِ قالَ: ﴿وما بَيْنَهُما﴾ أيْ: مِنَ الهَواءِ المَشْحُونِ بِالمَنافِعِ وكُلِّ خَيْرٍ وكُلِّ شَرٍّ مِن أفْعالِ العِبادِ وغَيْرِهِمْ، وقالَ ابْنُ بُرْجانَ في تَفْسِيرِهِ: جَمِيعُ الوُجُودِ أوَّلِهِ وآخِرِهِ نُسْخَةٌ (p-١٢١)لِأُمِّ الكِتابِ والسَّماواتِ والأرْضِ إشارَةً إلى بَعْضِ الوُجُودِ، وبَعْضُهُ يُعْطِي مِنَ الدَّلالَةِ عَلى المَطْلُوبِ ما يُعْطِيهِ الكُلُّ بِوَجْهٍ ما، غَيْرَ أنَّ ما عَلا أصَحُّ دَلالَةً وأقْرَبُ شَهادَةً وأبْيَنُ إشارَةً، وما صَغُرَ مِنَ المَوْجُوداتِ دَلالَتُهُ مُجْمَلَةٌ يَحْتاجُ المُسْتَعْرِضُ فِيهِ إلى التَّثَبُّتِ وتَدْقِيقِ النَّظَرِ والبَحْثِ. انْتَهى.
﴿إلا بِالحَقِّ﴾ أيِ: الأمْرِ الثّابِتِ مِنَ القُدْرَةِ التّامَّةِ والتَّصَرُّفِ المُطْلَقِ، فَخَلَقَ [الباطِلَ] بِالحَقِّ؛ لِأنَّهُ تَصَرُّفٌ في مُلْكِهِ الَّذِي لا شائِبَةَ لِغَيْرِهِ فِيهِ لِلِابْتِلاءِ والِاخْتِبارِ لِلْمُجازاةِ بِالعَدْلِ والمَنِّ بِالفَضْلِ إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الحِكَمِ الَّتِي لا يَعْلَمُها سِواهُ، وفي خَلْقِ ذَلِكَ عَلى هَذا الوَجْهِ أعْظَمُ دَلالَةٍ عَلى وُجُودِ الحَقِّ سُبْحانَهُ، وأنَّهُ واحِدٌ لا شَرِيكَ لَهُ، ودَلَّ عَلى قَهْرِهِ بِقَوْلِهِ: ﴿وأجَلٍ مُسَمًّى﴾ أيْ: لِبَعْثِ النّاسِ إلى دارِ القَرارِ لِفَصْلِ أهْلِ الجَنَّةِ مِن أهْلِ النّارِ، وفَناءِ الخافِقَيْنِ وما نَشَأ عَنْهُما مِنَ اللَّيْلِ والنَّهارِ.
ولَمّا كانَ التَّقْدِيرُ: وأمَرْنا النّاسَ بِالعَمَلِ في ذَلِكَ الأجَلِ بِطاعَتِنا ووَعَدْناهم عَلَيْها جِنانَ النَّعِيمِ، فالَّذِينَ آمَنُوا عَلى ما أُنْذِرُوا مُقْبِلُونَ، ومِن غَوائِلِهِ مُشْفِقُونَ، فَهم بِطاعَتِنا عامِلُونَ، عَطَفَ عَلَيْهِ مِنَ السِّياقِ لَهُ مِن قَوْلِهِ: ﴿والَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أيْ: سَتَرُوا مِن أعْلامِ الدَّلائِلِ ما لَوْ خَلَّوْا أنْفُسَهم وما فَطَرْناها عَلَيْهِ لَعَلِمُوهُ فَهم لِذَلِكَ ﴿عَمّا أُنْذِرُوا﴾ (p-١٢٢)مِمَّنْ هم عارِفُونَ بِأنَّ إنْذارَهُ لا يَتَخَلَّفُ ﴿مُعْرِضُونَ﴾ ومِن غَوائِلِهِ آمِنُونَ، فَهم بِما يُغْضِبُنا فاعِلُونَ، شَهِدَتْ عِنْدَهم شَواهِدُ الوُجُودِ فَما سَمِعُوا لَها ولا أصْغَوْا إلَيْها وأنْذَرَتْهُمُ الرُّسُلُ والكُتُبُ مِن عِنْدِ اللَّهِ فَأعْرَضُوا عَنْها واشْمَأزُّوا مِنها.
وقالَ الإمامُ أبُو جَعْفَرِ بْنُ الزُّبَيْرِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعالى: لَمّا قَدَّمَ ذِكْرَ الكِتابِ وعَظِيمَ الرَّحْمَةِ بِهِ وجَلِيلَ بَيانِهِ، وأرْدَفَ ذَلِكَ بِما تَضَمَّنَتْهُ سُورَةُ الشَّرِيعَةِ مِن تَوْبِيخِ مَن كَذَّبَ بِهِ وقَطْعِ تَعَلُّقِهِمْ وأنَّهُ سُبْحانَهُ قَدْ نَصَبَ مِن دَلائِلِ السَّماواتِ والأرْضِ [إلى] ما ذُكِرَ في صَدْرِ السُّورَةِ ما كَلُّ قِسْمٍ مِنها كافٍ في الدَّلالَةِ وقائِمٌ بِالحُجَّةِ، ومَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يَجْرِ عَلَيْهِمُ التَّمادِي عَلى ضَلالِهِمْ والِانْهِماكِ في سُوءِ حالِهِمْ وسَيِّئِ مُحالِهِمْ، أُرْدِفَتْ بِسُورَةِ الأحْقافِ تَسْجِيلًا بِسُوءِ مُرْتَكَبِهِمْ وإعْلامًا بِألِيمِ مُنْقَلَبِهِمْ فَقالَ تَعالى: ﴿ما خَلَقْنا السَّماواتِ والأرْضَ وما بَيْنَهُما إلا بِالحَقِّ وأجَلٍ مُسَمًّى﴾ ولَوِ اعْتَبَرُوا بِعَظِيمِ ارْتِباطِ ذَلِكَ الحَقِّ وإحْكامِهِ وإتْقانِهِ لَعَلِمُوا أنَّهُ لَمْ يُوجَدْ عَبَثًا، ولَكِنَّهم عَمُوا عَنِ الآياتِ وتَنْكَبُّوا عَنِ انْتِهاجِ الدَّلالاتِ ﴿والَّذِينَ كَفَرُوا عَمّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ﴾ ثُمَّ أخَذَ (p-١٢٣)سُبْحانَهُ وتَعالى في تَعْنِيفِهِمْ وتَقْرِيعِهِمْ في عِبادَةِ ما لا يَضُرُّ ولا يَنْفَعُ فَقالَ: ﴿أفَرَأيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ [الزمر: ٣٨] إلى قَوْلِهِ: ﴿وكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ﴾ [الأحقاف: ٦] ثُمَّ ذَكَرَ عِنادَهم عَنْ سَماعِ الآياتِ فَقالَ: ﴿وإذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ﴾ [الأحقاف: ٧] الآياتِ. ثُمَّ التَحَمَ الكَلامُ وتَناسَجَ إلى آخِرِ السُّورَةِ. انْتَهى.
{"ayah":"مَا خَلَقۡنَا ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَیۡنَهُمَاۤ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَأَجَلࣲ مُّسَمࣰّىۚ وَٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ عَمَّاۤ أُنذِرُوا۟ مُعۡرِضُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











