الباحث القرآني

ولَمّا كانَ الظّاهِرُ في هَذِهِ السُّورَةِ الإنْذارَ كَما يَشْهَدُ بِهِ مَطْلَعُها، قالَ ذاكِرًا بَعْضَ ما يُبَكَّتُ بِهِ المُجْرِمُونَ يَوْمَ البَعْثِ الَّذِي كانُوا بِهِ يُكَذِّبُونَ ويَكُونُ فِيهِ تَوْفِيَةُ جَزاءِ الأعْمالِ، عاطِفًا عَلى ما تَقْدِيرُهُ: اذْكُرْ لَهم هَذا لَعَلَّهم يَأْنَفُونَ أنْ يَكُونُوا المُسِيئِينَ فَيَكُونُوا مِنَ المُحْسِنِينَ: ﴿ويَوْمَ﴾ أيْ: واذْكُرْ لَهم يَوْمَ يُعْرَضُونَ - هَكَذا كانَ الأصْلُ ولَكِنَّهُ أظْهَرَ الوَصْفَ الَّذِي أوْجَبَ لَهُمُ الجَزاءَ إشارَةً إلى أنَّ الأمْرَ كانَ ظاهِرًا لَهم ولَكِنَّهم سَتَرُوا أنْوارَ عُقُولِهِمْ فَقالَ: ﴿يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أيْ: مِنَ الفَرِيقَيْنِ المَذْكُورَيْنِ ﴿عَلى النّارِ﴾ أيْ: يَصْلَوْنَ لَهَبَها ويُقَلَّبُونَ فِيها كَما يُعْرَضُ اللَّحْمُ الَّذِي يُشْوى، مَقُولًا لَهم عَلى سَبِيلِ التَّنْدِيمِ والتَّقْرِيعِ والتَّوْبِيخِ والتَّشْنِيعِ (p-١٦٠)لِأنَّهم لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ حَقَّ ذِكْرِهِ عِنْدَ شَهَواتِهِمْ بَلْ نالُوها مَعَ مُخالَفَةِ أمْرِهِ سُبْحانَهُ ونَهْيِهِ: ﴿أذْهَبْتُمْ﴾ في قِراءَةِ نافِعٍ وأبِي عَمْرٍو والكُوفِيِّينَ بِالإخْبارِ، وقِراءَةُ الباقِينَ بِالِاسْتِفْهامِ لِزِيادَةِ الإنْكارِ والتَّوْبِيخِ ﴿طَيِّباتِكُمْ﴾ أيْ: لَذّاتِكم بِاتِّباعِكُمُ الشَّهَواتِ ﴿فِي حَياتِكُمُ﴾ ونَفَّرَ مِنها بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿الدُّنْيا﴾ أيِ: القَرِيبَةِ الدَّنِيَّةِ المُؤْذِنُ وصْفُها لِمَن يَعْقِلُ بِحَياةٍ أُخْرى بَعْدَها، فَكانَ سَعْيُكم في حَرَكاتِكم وسَكَناتِكم لِأجْلِها حَتّى نِلْتُمُوها ﴿واسْتَمْتَعْتُمْ﴾ أيْ: طَلَبْتُمْ وأوْجَدْتُمُ انْتِفاعَكم ﴿بِها﴾ وجَعَلْتُمُوها غايَةَ حَظِّكم في رِفْعَتِكم ونِعْمَتِكم. ولَمّا كانَ ذَلِكَ اسْتِهانَةً بِالأوامِرِ والنَّواهِي لِلِاسْتِهانَةِ بِيَوْمِ الجَزاءِ، سَبَّبَ عَنْهُ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿فاليَوْمَ تُجْزَوْنَ﴾ أيْ: عَلى إعْراضِكم عَنّا بِجَزاءِ مَن لا تَقْدِرُونَ التَّقَصِّيَ مِن جَزائِهِ بِأيْسَرِ أمْرٍ مِنهُ ﴿عَذابَ الهُونِ﴾ أيِ: الهَوانِ العَظِيمِ المُجْتَمِعِ الشَّدِيدِ الَّذِي فِيهِ ذُلٌّ وخِزْيٌ ﴿بِما كُنْتُمْ﴾ جِبِلَّةً وطَبْعًا ﴿تَسْتَكْبِرُونَ﴾ أيْ: تَطْلُبُونَ التَّرَفُّعَ وتُوجِدُونَهُ عَلى الِاسْتِمْرارِ ﴿فِي الأرْضِ﴾ الَّتِي هي لِكَوْنِها تُرابًا ومَوْضُوعَةً عَلى الزَّوالِ والخَرابِ، (p-١٦١)أحَقُّ شَيْءٍ بِالتَّواضُعِ والذُّلِّ والهَوانِ. ولَمّا كانَ الِاسْتِكْبارُ يَكُونُ بِالحَقِّ لِكَوْنِهِ عَلى الظّالِمِينَ فَيَكُونُ مَمْدُوحًا، قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿بِغَيْرِ الحَقِّ﴾ أيِ: الأمْرِ الَّذِي يُطابِقُهُ الواقِعُ وهو أوامِرُنا ونَواهِينا، ودَلَّ بِأداةِ الكَمالِ عَلى أنَّهُ لا يُعاقِبُ عَلى الِاسْتِكْبارِ مَعَ الشُّبْهَةِ ﴿وبِما كُنْتُمْ﴾ عَلى الِاسْتِمْرارِ ﴿تَفْسُقُونَ﴾ أيْ: تُجَدِّدُونَ الخُرُوجَ عَنْ مُحِيطِ الطّاعَةِ الَّذِي تَدْعُو إلَيْهِ الفِطْرَةُ الأُولى والعَقْلُ إلى نَوازِعِ المَعاصِي.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب