الباحث القرآني
﴿وفِي خَلْقِكم وما يَبُثُّ مِن دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ ﴿واخْتِلافِ اللَّيْلِ والنَّهارِ﴾ [الجاثية: ٥] أيْ: في دُخُولِ أحَدِهِما عَلى الآخَرِ بِألْطَفِ اتِّصالٍ وأرْبَطِ انْفِصالٍ ﴿لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أنْ تُدْرِكَ القَمَرَ ولا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ﴾ [يس: ٤٠] (p-٦٣)ثُمَّ نَبَّهَ عَلى الِاعْتِبارِ بِإنْزالِ الماءِ مِنَ السَّماءِ وسَمّاهُ رِزْقًا بِحَطِّ القِياسِ فَقالَ: ﴿وما أنْـزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِن رِزْقٍ فَأحْيا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِها﴾ [الجاثية: ٥] ثُمَّ قالَ: ﴿وتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [الجاثية: ٥] الِاسْتِدْلالُ بِهَذِهِ الآيِ يَسْتَدْعِي بَسْطًا يَطُولُ، ثُمَّ قالَ: ﴿تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالحَقِّ﴾ [الجاثية: ٦] أيْ: عَلاماتُهُ ودَلائِلُهُ ﴿وإنْ مِن شَيْءٍ إلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ [الإسراء: ٤٤] ثُمَّ قالَ: ﴿فَبِأيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وآياتِهِ يُؤْمِنُونَ﴾ [الجاثية: ٦] أبْعَدُ ما شاهَدُوهُ مِن شاهِدِ الكِتابِ وما تَضَمَّنَهُ خَلْقُ السَّماواتِ والأرْضِ وما فِيهِما وما بَيْنَهُنَّ مِن عَجائِبِ الدَّلائِلِ الواضِحَةِ لِأُولِي الألْبابِ، فَإذا لَمْ يَعْتَبِرُوا بِشَيْءٍ مِن ذَلِكَ فَبِماذا يُعْتَبَرُ، ثُمَّ أرْدَفَ تَعالى بِقَرِيعِهِمْ وتَوْبِيخِهِمْ في تَصْمِيمِهِمْ مَعَ وُضُوحِ الأمْرِ فَقالَ: ﴿ويْلٌ لِكُلِّ أفّاكٍ أثِيمٍ﴾ [الجاثية: ٧] الآياتِ الثَّلاثَ، ثُمَّ قالَ: ﴿هَذا هُدًى﴾ [الجاثية: ١١] وأشارَ إلى الكِتابِ وجَعَلَهُ نَفْسَ الهُدى لِتَحَمُّلِهِ كُلَّ أسْبابِ الهُدى وجَمِيعَ جِهاتِهِ، ثُمَّ تَوَعَّدَ مَن كَفَرَ بِهِ (p-٦٤)ثُمَّ أرْدَفَ ذَلِكَ بِذِكْرِ نِعَمِهِ وآلائِهِ لِيَكُونَ ذَلِكَ زائِدًا في تَوْبِيخِهِمْ، والتَحَمَتِ الآيُ عاضِدَةً هَذا الغَرَضَ تَقْرِيعًا وتَوْبِيخًا ووَعِيدًا وتَهْدِيدًا إلى آخِرِ السُّورَةِ. انْتَهى.
ولَمّا ذَكَرَ سُبْحانَهُ بِالنَّظَرِ في آياتِ الآفاقِ، أتْبَعَها آياتِ الأنْفُسِ فَقالَ: ﴿وفِي خَلْقِكُمْ﴾ أيِ: المُخالِفِ لِخَلْقِ الأرْضِ الَّتِي أنْتُمْ مِنها بِالِاخْتِيارِ والعَقْلِ والِانْتِشارِ والقُدْرَةِ عَلى السّارِّ والضّارِّ ﴿وما يَبُثُّ﴾ أيْ: [يَنْشُرُ و] يُفَرِّقُ بِالحَرَكَةِ الِاخْتِيارِيَّةِ بَثًّا عَلى سَبِيلِ التَّجَدُّدِ والِاسْتِمْرارِ ﴿مِن دابَّةٍ﴾ مِمّا تَعْلَمُونَ ومِمّا لا تَعْلَمُونَ بِما في ذَلِكَ مِن مُشارَكَتِكم في الحَرَكَةِ بِالِاخْتِيارِ والهِدايَةِ لِلْمَنافِعِ بِإدْراكِ الجُزْئِيّاتِ ومُخالَفَتِكم في الصُّورَةِ والعَقْلِ وإدْراكِ الكُلِّيّاتِ وغَيْرِ ذَلِكَ مِن مُخالَفَةِ الأشْكالِ والمَنافِعِ والطَّبائِعِ ونَحْوِها ﴿آياتٌ﴾ [أيْ] عَلى صِفاتِ الكَمالِ ولا سِيَّما العِزَّةُ والحِكْمَةُ، وهي عَلى قِراءَةِ حَمْزَةَ والكِسائِيِّ ويَعْقُوبَ بِالنَّصْبِ هُنا، وفي الَّذِي بَعْدَهُ عَطَفَ الآيَتَيْنِ عَلى حَيِّزِ ”إنَّ“ [فِي] الآيَةِ الأُولى مِنَ الِاسْمِ والخَبَرِ، فَلِهَذِهِ الآيَةِ نَظَرٌ إلى التَّأْكِيدِ، وهو عَلى قِراءَةِ الجَماعَةِ مُبْتَدَأٌ بِالعَطْفِ عَلى ”إنَّ“ وما في حَيِّزِها، وهي أبْلَغُ لِأنَّها تُشِيرُ إلى أنَّ ما في تَصْوِيرِ الحَيَوانِ وجَمِيعِ شَأْنِهِ مِن عَجِيبِ الصُّنْعِ (p-٦٥)ظاهِرُ الدَّلالَةِ عَلى اللَّهِ [فَهُوَ] بِحَيْثُ لا يُنْكِرُهُ أحَدٌ، فَهو غَنِيٌّ عَنِ التَّأْكِيدِ، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ الآيَةُ عَلى قِراءَةِ النَّصْبِ مِنَ الِاحْتِباكِ: حَذَفَ أوَّلًا الخَلْقَ بِما دَلَّ عَلَيْهِ ثانِيًا، وثانِيًا ذَواتِ الأنْفُسِ بِما دَلَّ عَلَيْهِ مِن ذَواتِ السَّماواتِ أوَّلًا.
ولَمّا كانَتْ آياتُ الأنْفُسِ أدَقَّ وأدَلَّ عَلى القُدْرَةِ والِاخْتِيارِ بِما لَها مِنَ التَّجَدُّدِ والِاخْتِلافِ، قالَ: ﴿لِقَوْمٍ﴾ أيْ: فِيهِمْ أهْلِيَّةُ القِيامِ بِما يُحاوِلُونَهُ ﴿يُوقِنُونَ﴾ أيْ: يَتَجَدَّدُ لَهُمُ العُرُوجُ في دَرَجاتِ الإيمانِ إلى أنْ يَصِلُوا إلى شَرَفِ الإيقانِ، فَلا يُخالِطُهم شَكٌّ في وحْدانِيَّتِهِ؛ قالَ الحَرالِّيُّ في تَفْسِيرِ ﴿أوْ كالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ﴾ [البقرة: ٢٥٩] آيَةُ النَّفْسِ مُنَبِّهَةٌ عَلى آيَةِ الحِسِّ، وآيَةُ الحِسِّ مُنَبِّهَةٌ عَلى آيَةِ النَّفْسِ، إلّا أنَّ آيَةَ النَّفْسِ أعْلَقُ، فَهي لِذَلِكَ أهْدى، غايَةُ آيَةِ الآفاقِ الإيمانُ، وغايَةُ آيَةِ النَّفْسِ اليَقِينُ.
{"ayah":"وَفِی خَلۡقِكُمۡ وَمَا یَبُثُّ مِن دَاۤبَّةٍ ءَایَـٰتࣱ لِّقَوۡمࣲ یُوقِنُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











