الباحث القرآني

﴿وقِيلَ﴾ أيْ: لَهم عَلى قَطْعِ الأحْوالِ وأشَدِّها قَوْلًا لا مُعَقِّبَ لَهُ، فَكَأنَّهُ بِلِسانِ كُلِّ قائِلٍ: ﴿اليَوْمَ نَنْساكُمْ﴾ أيْ: نَفْعَلُ مَعَكم بِالتَّرْكِ مِن جَمِيعِ ما يُصْلِحُكم [فِعْلَ] المَنسِيِّ الَّذِي نَقْطَعُ عَنْهُ جَمِيعَ إحْسانِنا فَيَأْتِيهِ كُلُّ شَرٍّ ﴿كَما نَسِيتُمْ﴾ وأضافَ المَصْدَرَ إلى ظَرْفِهِ لِما فِيهِ مِنَ الرَّشاقَةِ والبَلاغَةِ فَقالَ تَعالى: ﴿لِقاءَ يَوْمِكم هَذا﴾ أيِ: الَّذِي عَمِلْتُمْ في أمْرِهِ عَمَلَ النّاسِي لَهُ، ومَن نَسِيَ لِقاءَ اليَوْمِ نَسِيَ لِقاءَ الكائِنِ فِيهِ بِطَرِيقِ الأوْلى، وقَدْ عابَهُمُ اللَّهُ سُبْحانَهُ تَعالى بِذَلِكَ أشَدَّ (p-١١٣)العَيْبِ؛ لِأنَّ ما عَمِلُوهُ لَيْسَ مِن فِعْلِ الحَزَمَةِ أنْ يَتْرُكُوا ما ضَرَرُهُ مُحْتَمَلٌ لا يَعْتَدُّونَ لَهُ، وإنَّما هَذا فِعْلُ الحُمْقِ الَّذِينَ هم عِنْدَهم أسْقالٌ لا عِبْرَةَ لَهم ولا وزْنَ لَهُمْ، وعَبَّرَ بِالنِّسْيانِ لِأنَّ عِلْمَهُ مَرْكُوزٌ في طَبائِعِهِمْ، وعَبَّرَ في فِعْلِهِ بِالمُضارِعِ لِيَدُلَّ عَلى الِاسْتِمْرارِ، وفي فِعْلِهِمْ بِالماضِي لِيَدُلَّ عَلى أنَّ مَن وقَعَ مِنهُ ذَلِكَ وقْتًا ما وإنْ قَلَّ كانَ عَلى خَطَرٍ عَظِيمٍ بِتَعْرِيضِ نَفْسِهِ لِاسْتِمْرارِ الإعْراضِ عَنْهُ. ولَمّا كانَ تَرْكُهُ عَلى هَذا الحالِ يَلْزَمُ مِنهُ اسْتِمْرارُ العَذابِ، صَرَّحَ بِهِ إيضاحًا لَهُ لِئَلّا يُظَنَّ غَيْرُ ذَلِكَ، فَقالَ مُبَيِّنًا لِحالِهِمْ: ﴿ومَأْواكُمُ النّارُ﴾ لَيْسَ لَكم بَراحٌ عَنْها أصْلًا، لِأنَّ أعْمالَكم أدْخَلَتْكُمُوها، ولا يَخْرُجُ مِنها إلّا مَن أذِنّا في إخْراجِهِ، نَحْنُ قَدْ جَعَلْناكم في عِدادِ المَنسِيِّ فَلا يَكُونُ مِن قِبَلِنا لَكم فَرَجٌ ﴿وما لَكُمْ﴾ في نَفْسِ الأمْرِ سَواءٌ أفَكَّرْتُمْ وأنْتُمْ مُكَذِّبُونَ في مُدافَعَةِ هَذا اليَوْمِ أوْ تَرَكْتُمُوهُ تَرْكَ المَنسِيِّ ﴿مِن ناصِرِينَ﴾ يُنْقِذُونَكم مِن ذَلِكَ بِشَفاعَةٍ ولا مُقاهَرَةٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب