الباحث القرآني

﴿وإذا﴾ أيْ: وكُنْتُمْ إذا ﴿قِيلَ﴾ مِن أيِّ قائِلٍ كانَ ولَوْ عَلى سَبِيلِ التَّأْكِيدِ: ﴿إنَّ وعْدَ اللَّهِ﴾ الَّذِي كَلُّ أحَدٍ يَعْلَمُ أنَّهُ مُحِيطٌ بِصِفاتِ الكَمالِ ﴿حَقٌّ﴾ أيْ: ثابِتٌ لا مَحِيدَ عَنْهُ يُطابِقُهُ الواقِعُ مِنَ البَعْثِ وغَيْرِهِ لِأنَّ أقَلَّ المُلُوكِ لا يَرْضى بِأنْ يُخْلَفَ وعْدُهُ فَكَيْفَ بِهِ سُبْحانَهُ وتَعالى فَكَيْفَ إذا كانَ الإخْلافُ فِيهِ مُناقِضًا لِلْحِكْمَةِ ﴿والسّاعَةُ﴾ الَّتِي هي مِمّا وعَدَ بِهِ وهي مَحَطُّ الحِكْمَةِ فَهي أعْظَمُ ما تَعَلَّقَ (p-١١٠)بِهِ الوَعْدُ ﴿لا رَيْبَ فِيها﴾ بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ لِأنَّها مَحَلُّ إظْهارِ المُلْكِ لِما لَهُ مِنَ الجَلالِ والجَمالِ أتَمَّ إظْهارٍ ﴿قُلْتُمْ﴾ راضِينَ لِأنْفُسِكم بِحَضِيضِ الجَهْلِ: ﴿ما نَدْرِي﴾ أيِ: الآنَ دِرايَةَ عِلْمٍ ولَوْ بَذَلْنا جُهْدَنا في مُحاوَلَةِ الوُصُولِ إلَيْهِ ﴿ما السّاعَةُ﴾ أيْ: نَعْرِفُ حَقِيقَتَها فَضْلًا عَمّا تُخْبِرُونَنا بِهِ مِن أحْوالِها. ولَمّا كانَ أمْرُها مَرْكُوزًا في الفِطَرِ لا يَحْتاجُ إلى كَبِيرِ نَظَرٍ، بِما يَعْلَمُ كُلُّ أحَدٍ مِن تَمامِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعالى، فَمَتى نُبِّهَ عَلَيْها نَوْعَ تَنْبِيهٍ سَبَقَ إلى القَلْبِ عِلْمُها، سَمَّوْا ذَلِكَ ظَنًّا عِنادًا واسْتِكْبارًا، فَقالُوا مُسْتَأْنِفِينَ في جَوابِ مَن كَأنَّهُ يَقُولُ: أفَلَمْ تُفِدْكم تِلاوَةُ هَذِهِ الآياتِ البَيِّناتِ عِلْمًا بِها: ﴿إنَّ﴾ أيْ: ما ﴿نَظُنُّ﴾ أيْ: نَعْتَقِدُ ما تُخْبِرُونَنا بِهِ عَنْها ﴿إلا ظَنًّا﴾ وأما وُصُولُهُ إلى دَرَجَةِ العِلْمِ فَلا. ولَمّا كانَ المَحْصُورُ لا بُدَّ وأنْ يَكُونَ أخَصَّ مِنَ المَحْصُورِ فِيهِ كانَ الظَّنُّ الأوَّلُ بِمَعْنى الِاعْتِقادِ، ولَعَلَّهُ عَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظِ الظَّنِّ تَأْكِيدًا لِمَعْنى الحَصْرِ، ولِذَلِكَ عَطَفُوا عَلَيْهِ - تَصْرِيحًا بِالمُرادِ لِأنَّ الظَّنَّ قَدْ يُطْلَقُ عَلى العِلْمِ - قَوْلَهُمْ: ﴿وما نَحْنُ﴾ وأكَّدُوا النَّفْيَ فَقالُوا: ﴿بِمُسْتَيْقِنِينَ﴾ أيْ: بِمَوْجُودٍ عِنْدَنا اليَقِينُ في أمْرِها ولا بِطالِبِينَ (p-١١١)لَهُ - هَذا مَعَ ما تُشاهِدُونَهُ مِنَ الآياتِ [فِي الآفاقِ وفي أنْفُسِكم وما يَبُثُّ مِن دابَّةٍ وما يُنَبِّهُكم عَلى ذَلِكَ مِنَ الآياتِ] المَسْمُوعَةِ، وهَذا لا يُنافِي [آيَةَ]: ”إنْ هي إلّا حَياتُنا الدُّنْيا“ لِأنَّ آخِرَها مُثْبِتٌ لِلظَّنِّ، فَكَأنَّهم كانُوا تارَةً يَقْوى عِنْدَهم ما في جِبِلّاتِهِمْ وفِطَرِهُمُ الأُولى مِن أمْرِها فَيَظُنُّونَها، وتارَةً تَقْوى عَلَيْهِمُ الحُظُوظُ مَعَ ما يَقْتَرِنُ بِها مِنَ الشُّبْهَةِ المَبْنِيَّةِ عَلى الجَهْلِ فَيَظُنُّونَ عَدَمَها فَيَقْطَعُونَ بِهِ لِما لِلنَّفْسِ إلَيْهِ مِنَ المَيْلِ، أوْ كانُوا فِرْقَتَيْنِ. واللَّهُ أعْلَمُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب