الباحث القرآني

(p-٥٧)(p-٥٨)سُورَةُ الجاثِيَةِ وتُسَمّى الشَّرِيعَةَ مَقْصُودُها الدَّلالَةُ عَلى أنَّ مُنْزِلَ هَذا الكِتابِ - كَما دَلَّ عَلَيْهِ في الدُّخانِ - ذُو العِزَّةِ لِأنَّهُ لا يَغْلِبُهُ شَيْءٌ وهو يَغْلِبُ كُلَّ شَيْءٍ، والحِكْمَةُ لِأنَّهُ لَمْ يَضَعْ شَيْئًا إلّا في أحْكَمِ مَواضِعِهِ، فَعُلِمَ أنَّهُ المُخْتَصُّ بِالكِبْرِياءِ، فَوَضَعَ شَرْعًا [هُوَ] في غايَةِ الِاسْتِقامَةِ لا تَسْتَقِلُّ العُقُولُ بِإدْراكِهِ ولا يَخْرُجُ شَيْءٌ مِنهُ عَنْهُ، أمَرَ فِيهِ ونَهى، ورَغَّبَ [ورَهَّبَ] ثُمَّ بَطَنَ حَتّى أنَّهُ لا يُعْرَفُ، ثُمَّ ظَهَرَ حَتّى أنَّهُ لا يُجْهَلُ، فَمِنَ المُكَلَّفِينَ [مَن حَكَّمَ] عَقْلَهُ وجانَبَ هَواهُ فَشَهِدَ جَلالَهُ فَسَمِعَ وأطاعَ، ومِنهُ مَن تَبِعَ هَواهُ فَضَّلَ عَنْ نُورِ العَقْلِ فَزاغَ وأضاعَ فاقْتَضَتِ الحِكْمَةُ ولا بُدَّ أنْ يَجْمَعَ سُبْحانَهُ الخَلْقَ لِيَوْمِ الفَصْلِ فَيَظْهَرَ كُلَّ الظُّهُورِ ويِدِينَ عِبادَهُ لِيَشْهَدَ رَحْمَتَهُ المُطِيعُ وكِبْرِياءَهُ العاصِي، ويَنْشُرَ العَدْلَ ويُظْهِرَ الفَضْلَ، ويَتَجَلّى في جَمِيعِ صِفاتِهِ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ، وعَلى ذَلِكَ دَلَّ اسْمُها الشَّرِيعَةُ، واسْمُها الجاثِيَةُ واضِحُ (p-٥٩)الدَّلالَةِ فِيهِ إذا تُؤَمِّلُ كُلٌّ مِن آيَتِهِما، واللَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى الهادِي. ”بِسْمِ اللَّهِ“ الَّذِي تَفَرَّدَ بِتَمامِ العِزِّ والكِبْرِياءِ ”الرَّحْمَنِ“ الَّذِي أحْكَمَ رَحْمَتَهُ بِالبَيانِ العامِّ لِلسُّعَداءِ والأشْقِياءِ ”الرَّحِيمِ“ الَّذِي خَصَّ بِمَلابِسِ طاعَتِهِ الأوْلِياءَ * * * ﴿حم﴾ أيْ: حِكْمَةُ مُحَمَّدٍ إلَيْها المُنْتَهى كَما تَقَدَّمَ في الدُّخانِ ما أفْهَمَ إنْزالَهُ مِن أُمِّ الكِتابِ جُمْلَةً إلى بَيْتِ العِزَّةِ، ودَلَّ عَلى بَرَكَتِهِ مِمّا دَلَّ عَلى حِكْمَةِ مُنْزِلِهِ وعِزَّتِهِ بِالبِشارَةِ والنِّذارَةِ والإيقاعِ بِالمُجْرِمِينَ بَعْدَ طُولِ الحِلْمِ والأناةِ والنَّجاةِ لِلْمُتَّقِينَ وغَيْرِ ذَلِكَ مِن أُمُورٍ هي في غايَةِ الدَّلالَةِ عَلى ذَلِكَ لِأنَّها راجِعَةٌ إلى الحُسْنِ لِمَن ألْقى السَّمْعَ وهو شَهِيدٌ، وأشارَ إلى سُهُولَتِها عَلى مَن تَأْمَّلَ هَذا الذِّكْرَ المُتَرْجَمَ بِلِسانِ أعْلى الخَلْقِ وأكْمَلِهِمْ وأشْرَفِهِمْ خَلائِقَ وأفْضَلِهِمْ، ابْتَدَأ هَذِهِ بِالإعْلامِ بِأنَّهُ زادَ ذَلِكَ يُسْرًا وسُهُولَةً بِإنْزالِهِ مُنَجَّمًا بِحَسْبِ الوَقائِعِ مُطابِقًا لَها أتَمَّ مُطابَقَةٍ بَعْدَ إنْزالِهِ جُمْلَةً مِن أُمِّ الكِتابِ ثُمَّ مُرَتَّبًا لِما أُنْزِلَ مِنهُ تَرْتِيبًا يُفْهِمُ عُلُومًا ويُوَضِّحُ أسْرارًا غامِضَةً مُهِمَّةً فَقالَ:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب