الباحث القرآني

ولَمّا نَفى أنْ يَكُونَ خَلْقُ ذَلِكَ اللَّعِبَ الَّذِي هو باطِلٌ، أثْبَتَ ما خَلَقَهُ لَهُ ولَمْ يُصَرِّحْ بِما في البَيْنِ لِأنَّهُ تابِعٌ، وقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ ما مَضى، (p-٤٠)فَقالَ مُسْتَأْنِفًا: ﴿ما خَلَقْناهُما﴾ أيِ: السَّماواتِ والأراضِيَ مَعَ [ما] بَيْنَهُما ﴿إلا بِالحَقِّ﴾ مِنَ الحُكْمِ بَيْنَ مَن فِيهِما، [فَمَن] عَمِلَ الباطِلَ عاقَبْناهُ ومَن عَمِلَ الحَقَّ أثَبْناهُ، وبِذَلِكَ يَظْهَرُ غايَةَ الظُّهُورِ إحاطَتُنا بِجَمِيعِ أوْصافِ الكَمالِ كَما نَبَّهْنا عَلَيْهِ أهْلَ الكَمالِ في هَذِهِ الدّارِ بِخَلْقِهِما الَّذِي واقِعُهُ مُطابِقٌ لِلْحَقِّ، وهو ما لَنا مِن تِلْكَ الصِّفاتِ المُقْتَضِيَةِ لِلْبَعْثِ لِإحْقاقِ الحَقِّ وإبْطالِ الباطِلِ بِما لا خَفاءَ فِيهِ عِنْدَ أحَدٍ. ولَمّا كانَ أكْثَرُ الخَلْقِ لا يَعْلَمُ ذَلِكَ لِعَظَمَتِهِ عَنِ النَّظَرِ في دَلِيلِهِ وإنْ كانَ قَطْعِيًّا بَدِيهِيًّا. ﴿ولَكِنَّ أكْثَرَهُمْ﴾ أيْ: أكْثَرَ هَؤُلاءِ الَّذِينَ أنْتَ بَيْنَ أظْهُرِهِمْ وهم يَقُولُونَ: ﴿إنْ هي إلا مَوْتَتُنا الأُولى﴾ [الدخان: ٣٥] وكَذا مَن نَحا نَحْوَهم ﴿لا يَعْلَمُونَ﴾ [أيْ] أنّا خَلَقْنا الخَلْقَ بِسَبَبِ إقامَةِ الحَقِّ؛ فَهم لِأجْلِ ذَلِكَ يَجْتَرِئُونَ عَلى المَعاصِي ويُفْسِدُونَ في الأرْضِ لا يَرْجُونَ ثَوابًا ولا يَخافُونَ عِقابًا، ولَوْ تَذَكَّرُوا ما رَكَزْناهُ في جِبِلّاتِهِمْ لَعَلِمُوا عِلْمًا ظاهِرًا أنَّهُ الحَقُّ الَّذِي لا مَعْدِلَ عَنْهُ كَما يَتَوَلّى حُكّامُهُمُ المَناصِبَ لِأجْلِ إظْهارِ الحُكْمِ بَيْنَ رَعاياهُمْ، ويَشْرُطُونَ الحُكْمَ بِالحَقِّ، ويُؤَكِّدُونَ عَلى أنْفُسِهِمْ أنَّهم لا يَتَجاوَزُونَهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب