الباحث القرآني

ولَمّا كانَ التَّقْدِيرُ لِلِاسْتِدْلالِ عَلى الجَزاءِ الَّذِي جامِعُهُ التَّكَفُّلُ بِجَمِيعِ أنْحائِهِ يَوْمَ القِيامَةِ: فَإنّا ما خَلَقْنا النّاسَ عَبَثًا يَبْغِي بَعْضُهم عَلى بَعْضٍ ثُمَّ لا يُؤاخَذُونَ، عَطَفَ عَلَيْهِ ما هو أكْبَرُ في الظّاهِرِ مِنهُ فَقالَ: ﴿وما خَلَقْنا السَّماواتِ﴾ أيْ: عَلى عِظَمِها واتِّساعِ كُلِّ واحِدَةٍ مِنها واحْتِوائِها لِما تَحْتَها، وجَمَعَها لِأنَّ العَمَلَ كُلَّما زادَ كانَ أبْعَدَ مِنَ العَبَثِ مَعَ أنَّ إدْراكَ تَعَدُّدِها مِمّا يَقْتَضِي المُشاهَدَةَ بِما فِيها مِنَ الكَواكِبِ، (p-٣٩)ووَحَّدَ في سُورَةِ الأنْبِياءِ تَخْصِيصًا بِما يَتَحَقَّقُ المُكَذِّبُونَ بِالبَعْثِ رُؤْيَتَهُ لِما ذُكِرَ هُناكَ مِنَ اخْتِصاصِ ”لَدُنْ“ بِما بَطَنَ. ولَمّا كانَ الدَّلِيلُ عَلى تَطابُقِ الأراضِي دَقِيقًا وحَّدَها فَقالَ: ﴿والأرْضَ﴾ أيْ: عَلى ما فِيها مِنَ المَنافِعِ ﴿وما بَيْنَهُما﴾ أيِ: النَّوْعَيْنِ وبَيْنَ كُلِّ واحِدَةٍ مِنها [وما] يَلِيها ﴿لاعِبِينَ﴾ أيْ: عَلى ما لَنا مِنَ العَظَمَةِ الَّتِي يُدْرِكُ مِن لَهُ أدْنى عَقْلٍ تَعالِيَها عَنِ اللَّعِبِ لِأنَّهُ لا يَفْعَلُهُ إلّا ناقِصٌ، ولَوْ تَرَكْنا النّاسَ يَبْغِي بَعْضُهم عَلى بَعْضٍ كَما تُشاهِدُونَ ثُمَّ لا نَأْخُذُ لِضَعِيفِهِمْ بِحَقِّهِ مِن قَوِيِّهِمْ لَكانَ خَلْقُنا لَهم لَعِبًا، بَلِ اللَّعِبُ أخَفُّ مِنهُ، ولَمْ نَكُنْ عَلى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ مُسْتَحِقِّينَ لِصِفَةِ القُدُّوسِيَّةِ، فَإنَّهُ: ««لا قُدِّسَتْ أُمَّةٌ لا يُؤْخَذُ لِضَعِيفِها بِالحَقِّ مِن قَوِيِّها غَيْرَ مُتَعْتَعٍ»». رَواهُ ابْنُ ماجَهْ عَنْ أبِي سَعِيدٍ وابْنِ جَمِيعٍ في مُعْجَمِهِ عَنْ جابِرٍ، وصاحِبُ الفِرْدَوْسِ عَنْ أبِي مُوسى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم رَفَعُوهُ، وهو شَيْءٌ لا يَرْضى بِهِ لِنَفْسِهِ أقَلُّ حُكّامِ الدُّنْيا، فَكانَ هَذا بُرْهانًا قاطِعًا عَلى صِحَّةِ الحَشْرِ لِيَظْهَرَ هُناكَ الفَصْلُ بِالعَدْلِ والفَضْلِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب