الباحث القرآني

ولَمّا كانَ التَّقْدِيرُ: فَلَئِنْ سَألْتَهم عَمَّنْ سَمِعُوا بِخَبَرِهِ مِمَّنْ ذَكَرْناهم مِنَ الأوَّلِينَ لِيَعْتَرِفْنَ بِما سَمِعُوا مِن خَبَرَهِمْ لِأنّا لَمْ نَجْعَلْ لَهم عَلى المُباهَتَةِ فِيهِ جُرْأةً لِما طَبَعْناهم عَلَيْهِ في أغْلَبِ أحْوالِهِمْ مِنَ الصِّدْقِ، عَطْفَ (p-٣٨٨)عَلَيْهِ قَوْلَهم مُبَيِّنًا لِجَهْلِهِمْ بِوُقُوعِهِمْ في التَّناقُضِ مُؤَكِّدًا لَهُ لِما في اعْتِرافِهِمْ بِهِ مِنَ العَجَبِ المُنافِي لِحالِهِمْ: ﴿ولَئِنْ سَألْتَهُمْ﴾ أيْضًا عَمّا هو أكْبَرُ مِن ذَلِكَ وأدَلُّ عَلى القُدْرَةِ، وجَمِيعُ صِفاتِ الكَمالِ فَقُلْتُ لَهُمْ: ﴿مَن خَلَقَ السَّماواتِ﴾ عَلى عُلُوِّها وسِعَتِها ﴿والأرْضَ﴾ عَلى كَثْرَةِ عَجائِبِها وعَظَمَتِها ﴿لَيَقُولُنَّ﴾ أيْ مِن غَيْرِ تَوَقُّفٍ. ولَمّا كانَ السُّؤالُ عَنِ المُبْتَدَأِ، كانَ الجَوابُ المُطابِقُ ذِكْرَ الخَبَرِ، فَكانَ الجَوابُ هُنا: اللهُ - كَما في غَيْرِهِ مِنَ الآياتِ، لَكِنَّهُ عَدَلَ عَنْهُ إلى المُطابَقَةِ المَعْنَوِيَّةِ لافِتًا القَوْلَ عَنْ مَظْهَرِ العَظَمَةِ إلى ما يُفِيدُ مِنَ الأوْصافِ القُدْرَةَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ، وأنَّهُ تَعالى يَغْلِبُ كُلَّ شَيْءٍ، ولا يَغْلِبُهُ شَيْءٌ مُكَرَّرًا لِلْفِعْلِ تَأْكِيدًا لِاعْتِرافِهِمْ زِيادَةً في تَوْبِيخِهِمْ وتَنْبِيهًا عَلى عَظِيمِ غَلَطِهِمْ، فَقالَ مُعَبِّرًا بِما هو لازِمٌ لِاعْتِرافِهِمْ لَهُ سُبْحانَهُ بِالتَّفَرُّدِ بِالإيجادِ لِأنَّهُ أنْسَبُ الأشْياءِ لِمَقْصُودِ السُّورَةِ ولِلْإبانَةِ الَّتِي هي مَطْلَعُها. ﴿خَلَقَهُنَّ﴾ الَّذِي هو مَوْصُوفٌ بِأنَّهُ ﴿العَزِيزُ العَلِيمُ﴾ أيِ الَّذِي يُلْزِمُ المُعْتَرِفَ بِإسْنادِ هَذا الخَلْقِ إلَيْهِ أنْ يَعْتَرِفَ بِأنَّهُ يَغْلِبُ كُلَّ شَيْءٍ ولا يَغْلِبُهُ شَيْءٌ (p-٣٨٩)وأنَّ عِلْمَهُ مُحِيطٌ بِكُلِّ شَيْءٍ، فَيَقْدِرُ عَلى إيجادِهِ عَلى وجْهٍ مِنَ البَداعَةِ ثُمَّ عَلى أكْمَلِ مِنهُ ثُمَّ أبْهَجِ مِنهُ وهَلُمَّ جَرًّا إلى ما لا نِهايَةَ لَهُ - هَذا هو الألْيَقُ بِكَمالِ ذاتِهِ وجَلِيلِ صِفاتِهِ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِن عَمى المُعْتَزِلَةِ والفَلاسِفَةِ أصْحابِ الأذْهانِ الجامِدَةِ والعُقُولِ الكاسِدَةِ والعَرَبِ لِجَهْلِهِمْ يَعْبُدُونَ مَعَ اعْتِرافِهِمْ بِهَذا غَيْرَهُ، وذَلِكَ الغَيْرُ لا قُدْرَةَ لَهُ عَلى شَيْءٍ أصْلًا، ولا عِلْمَ لَهُ بِشَيْءٍ أصْلًا، فَقَدْ كَسَرَ هَذا السُّؤالَ بِجَوابِهِ حُجَّتَهُمْ، وبانَ بِهِ غَلَطُهم وفَضِيحَتُهُمْ، حَتّى بانَ لِأُولِي الألْبابِ أنَّهم مُعانِدُونَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب