الباحث القرآني
ولَمّا قَدَّمَ سُبْحانَهُ أنَّهُ أنْعَمَ عَلى عِيسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وجَعَلَهُ مَثَلًا لِبَنِي إسْرائِيلَ، ولَوَّحَ إلى اخْتِلافِهِمْ وأنَّ بَعْضَهم نَزَلَ مِثْلَهُ عَلى غَيْرِ ما هو بِهِ، وحَذَّرَ مَنِ اقْتَدى بِهِمْ في نَحْوِ ذَلِكَ الضَّلالِ، وأمَرَ بِاتِّباعِ الهادِي، ونَهى عَنِ اتِّباعِ المُضِلِّ، صَرَّحَ بِما كانَ مِن حالِهِمْ حِينَ أبْرَزَهُ اللهُ لَهم عَلى تِلْكَ الحالَةِ الغَرِيبَةِ، فَقالَ عاطِفًا عَلى ما تَقَدَّمَ تَقْدِيرُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿وجَعَلْناهُ مَثَلا﴾ [الزخرف: ٥٩] ﴿ولَمّا جاءَ عِيسى﴾ أيْ إلى بَنِي إسْرائِيلَ بَعْدَ مُوسى عَلَيْهِما الصَّلاةُ والسَّلامُ: ﴿بِالبَيِّناتِ﴾ أيْ مِنَ الآياتِ المَسْمُوعَةِ والمَرْئِيَّةِ،
﴿قالَ﴾ مُنَبِّهًا لَهُمْ: ﴿قَدْ جِئْتُكُمْ﴾ ما يَدُلُّكم قَطْعًا عَلى أنَّهُ آيَةٌ مِن عِنْدِ اللهِ وكَلِمَةٌ مِنهُ أيْضًا ﴿بِالحِكْمَةِ﴾ أيِ الأمْرِ المُحْكَمِ الَّذِي لا يُسْتَطاعُ نَقْضُهُ ولا يُدْفَعُ إلّا بِالمُعانَدَةِ لِأُخَلِّصَكم بِذَلِكَ مِمّا وقَعْتُمْ فِيهِ مِنَ الضَّلالِ. (p-٤٦٣)ولَمّا كانَ المُرادُ بِالحِكْمَةِ ما نُسِخَ مِنَ التَّوْراةِ وغَيْرِهِ مِن كُلِّ ما أتاهم بِهِ، فَكانَ التَّقْدِيرُ: لِتَتَّبِعُوهُ وتَتْرُكُوا ما كُنْتُمْ عَلَيْهِ أمْرًا خاصًّا هو مِن أحْكَمِ الحِكْمَةِ فَقالَ: ﴿ولأُبَيِّنَ لَكُمْ﴾ أيْ بَيانًا واضِحًا جِدًّا ﴿بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ﴾ أيِ الآنِ ﴿فِيهِ﴾ ولا تَزالُونَ تُجَدِّدُونَ الخِلافَةَ بِسَبَبِهِ، وهَذا البَعْضُ الظّاهِرُ بِما يُرْشِدُ إلَيْهِ خِتامُ الآيَةِ أنَّهُ المُتَشابِهُ الَّذِي كَفَرُوا بِسَبَبِهِ بَيَّنَهُ بَيانًا يَرُدُّهُ إلى المُحْكَمِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ بَعْضُ المُتَشابِهِ، وهو ما يَكُونُ بَيانُهُ كافِيًا في رَدِّ بَقِيَّةِ المُتَشابِهِ إلى المُحْكَمِ بِالقِياسِ عَلَيْهِ، فَإنَّ الشَّأْنَ في كُلِّ كِتابٍ أنْ يَجْمَعَ المُحْكَمَ والمُتَشابِهَ، فالمُحْكَمُ ما لا لَبْسَ فِيهِ، والمُتَشابِهُ ما يَكُونُ مُلْبِسًا، وفِيهِ ما يَرُدُّهُ إلى المُحْكَمِ لَكِنْ عَلى طَرِيقِ الرَّمْزِ والإشارَةِ الَّتِي لا يَذُوقُها إلّا أهْلُ البَصائِرِ لِيَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ الصّادِقَ مِنَ الكاذِبِ فالصّادِقُ الَّذِي رَسَّخَ عِلْمًا وإيمانًا يَرُدُّ المُتَشابِهَ مِنهُ إلى المُحْكَمِ، أوْ يَعْجَزُ فَيَقُولُ: اللهُ أعْلَمُ، رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إذْ هَدَيْتَنا، ولا يَتَزَلْزَلُ، والكاذِبُ يَتَّبِعُ المُتَشابِهَ فَيُجْرِيهِ عَلى ظاهِرِهِ فَيُشَبِّهُ كَأهْلِ الِاتِّحادِ الجَوامِدِ المَفْتُونِينَ بِالمُشاهَدَةِ ويُؤَوِّلُ بِحَسَبِ هَواهُ بِما لا يَتَمَشّى عَلى قَواعِدِ العِلْمِ ولا يُوافِقُ المُحْكَمَ فَيُفْتَتَنُ.
ولَمّا صَحَّ بِهَذا أنَّ الَّذِي أرْسَلَهُ المَلِكُ الأعْلى الَّذِي لَهُ الأمْرُ (p-٤٦٤)كُلُّهُ، فَهو فَعّالٌ لِما يَشاءُ، وكانَ الحامِلُ عَلى الِانْتِفاعِ بِالرُّسُلِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ التَّقْوى، سَبَّبَ عَنْهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فاتَّقُوا اللَّهَ﴾ أيْ خافُوهُ لِما لَهُ مِنَ الجَلالِ بِحَيْثُ لا تُقْدِمُوا عَلى شَيْءٍ إلّا بِبَيانٍ مِنهُ لِأنَّ لَهُ كُلَّ شَيْءٍ مِنكم ومِن غَيْرِكُمْ، ومِنَ المَعْلُومِ لِكُلِّ ذِي عَقْلٍ أنَّهُ لا يَتَصَرَّفُ في مِلْكِ الغَيْرِ بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ إلّا بِإذْنِهِ ﴿وأطِيعُونِ﴾ فِيما أنْقُلُكم إلَيْهِ وأُبَيِّنُهُ لَكم مِمّا أُبْقِيكم عَلَيْهِ، فَإنِّي لا آخُذُ شَيْئًا إلّا عَنْهُ، ولا أتَلَقّى إلّا مِنهُ، فَطاعَتِي لِأمْرِهِ بِما يُرْضِيهِ هي ثَمَرَةُ التَّقْوى، وكُلَّما زادَ المُتَّقِي في أعْمالِ الطّاعَةِ زادَتْ تَقْواهُ.
{"ayah":"وَلَمَّا جَاۤءَ عِیسَىٰ بِٱلۡبَیِّنَـٰتِ قَالَ قَدۡ جِئۡتُكُم بِٱلۡحِكۡمَةِ وَلِأُبَیِّنَ لَكُم بَعۡضَ ٱلَّذِی تَخۡتَلِفُونَ فِیهِۖ فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَأَطِیعُونِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق