الباحث القرآني
ولَمّا كانَ إهْلاكُهم بِسَبَبِ إغْضابِهِمْ لِلَّهِ وبِالكِبَرِ عَلى رُسُلِهِ، كانُوا سَبَبًا لِأنْ يَتَّعِظَ بِحالِهِمْ مَن يَأْتِي بَعْدَهم فَلِذَلِكَ قالَ تَعالى: ﴿فَجَعَلْناهُمْ﴾ أيْ بِأخْذِنا لَهم عَلى هَذِهِ الصُّورَةِ مِنَ الإغْراقِ وغَيْرِهِ مِمّا تَقَدَّمَهُ ﴿سَلَفًا﴾ مُتَقَدِّمًا لِكُلِّ مَن يَهْلَكُ بَعْدَهم إهْلاكَ غَضَبٍ في الهَلاكِ في الدُّنْيا والعَذابِ في الآخِرَةِ وقُدْوَةً لِمَن يُرِيدُ العُلُوَّ في الأرْضِ فَتَكُونُ عاقِبَتُهُ في الهَلاكِ في الدّارَيْنِ أوْ إحْداهُما عاقِبَتُهم كَما قالَ سُبْحانَهُ عَزَّ مِن قائِلٍ وتَبارَكَ وتَعالى ﴿وجَعَلْناهم أئِمَّةً يَدْعُونَ إلى النّارِ﴾ [القصص: ٤١] ﴿ومَثَلا﴾ أيْ حَدِيثًا عَجِيبًا سائِرًا مَسِيرَ المَثَلِ ﴿لِلآخِرِينَ﴾ الَّذِينَ خَلَّفُوا بَعْدَهم مِن زَمَنِهِمْ إلى آخِرِ الدَّهْرِ فَيَكُونُ حالُهم عِظَةً لِناسٍ وإضْلالًا لِآخَرِينَ، فَمَن قَضى أنْ يَكُونَ عَلى مِثْلِ حالِهِمْ عَمِلَ مِثْلَ أعْمالِهِمْ، ومَن أرادَ (p-٤٥٣)النَّجاةَ مِمّا نالَهم تَجَنَّبَ أفْعالَهُمْ، فَمَن أُرِيدَ بِهِ الخَيْرُ وُفِّقَ لِمِثْلِ خَيْرٍ يَرُدُّهُ عَنْ غَيِّهِ، ومَن أُرِيدَ بِهِ الشَّرُّ، وجُعِلَ لَهُ مِنهم مَثَلًا يَجْتَرِئُ بِهِ عَلى شَرِّهِ، ويَقْوى عَلى خُبْثِهِ ومَكْرِهِ، فَيَجْعَلُ الشِّرِّيرَ ما أُوتُوهُ مِنَ الدُّنْيا مِنَ النِّعْمَةِ والحِبَرَةِ الرَّفاهِيَةِ والنُّصْرَةِ مَثَلًا لَهُ في التَّوَصُّلِ إلَيْهِ مِمّا كانُوا عَلَيْهِ مِنَ الظُّلْمِ، ويَجْعَلُ الخَيْرَ إهْلاكَهم مَثَلًا لَهُ فَيَبْعُدُ عَنْ أفْعالِهِمْ لِيَنْجُوَ مِن مِثْلِ نَكالِهِمْ، يَقُولُ أحَدُهُمْ: أخَذَ الفُلانِيُّونَ أخْذَ آلِ فِرْعَوْنَ، أيْ لَمْ يُفْلِتْ مِنهم إنْسانٌ ونَحْوُ ذَلِكَ مِن أمْثالِهِمْ في جَمِيعِ أحْوالِهِمْ، ونَقُولُ نَحْنُ: إنّا نُهْلِكُ مَن ظَلَمَ وتَمادى في ظُلْمِهِ بَعْدَ تَحْذِيرِنا لَهُ وغَشْمٍ وإنْ عَظُمَ آلُهُ وأتْباعُهُ، وظَنَّ عِزَّهُ وامْتِناعَهُ، كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ، ويَقُولُ مَن أُرِيدَ بِهِ الشَّرَّ: لَيْسَ عَلى ظَهْرِها أحَدٌ يَبْقى إنْ خافَ العَواقِبَ فَأحْجَمَ عَنْ شَهَواتِهِ وانْهَمَكَ في رِياضِ أهَوِيَتِهِ وإرادَتِهِ وشَهِيِّ طَيِّباتِهِ وكَذا ذاتُهُ كَما وقَعَ لِفِرْعَوْنَ فَإنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ لِشَيْءٍ عَنْ رِئاسَتِهِ، وبُلُوغِ النِّهايَةِ مِن صَلَفِهِ ونَفاسَتِهِ إلى أنْ ذَهَبَ بِهِ كَما ذَهَبَ بِغَيْرِهِ سَواءٌ سارَ بِسِيَرِهِ أوْ بِغَيْرِ سَيْرِهِ، ولَقَدْ ضَلَّ بِهِ قَوْمٌ وأضَلُّوا، وحَلُّوا لِمَن داناهم (p-٤٥٤)عُرى الدِّينِ فَزَلُّوا، وما كَفاهم ذَلِكَ حَتّى ادَّعَوْا أنَّهُ مِن أعَزِّ المُقَرَّبِينَ لِأنَّ الَّذِي كانَ آخِرُ كَلامِهِ الإيمانَ، فَجَبَّ ما كانا قَبْلَهُ ولَمْ يَتَدَنَّسْ بَعْدَهُ فَماتَ طاهِرًا مُطَهَّرًا لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الدَّنَسِ مَعَ أنَّ ذَلِكَ ما كانَ إلّا عِنْدَ اليَأْسِ حَيْثُ لا نَفْعَ فِيهِ، وغَرُّوا الضُّعَفاءَ بِأنْ قالُوا: إنَّهُ لا صَرِيحَ في القُرْآنِ بِعَذابِهِ بَعْدَ المَوْتِ تَعْمِيَةً عَنِ الدَّلِيلِ القَطْعِيِّ المُنْتَظِمِ مِن قَوْلِهِ تَعالى ﴿وإنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ في الأرْضِ وإنَّهُ لَمِنَ المُسْرِفِينَ﴾ [يونس: ٨٣] ﴿وأنَّ المُسْرِفِينَ هم أصْحابُ النّارِ﴾ [غافر: ٤٣] المُنْتَجُ مِن غَيْرِ شَكٍّ أنَّ فِرْعَوْنَ مِن أصْحابِ النّارِ، وقَوْلُهُ تَعالى ﴿فَأخَذْناهُ وجُنُودَهُ فَنَبَذْناهم في اليَمِّ فانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظّالِمِينَ﴾ [القصص: ٤٠] ﴿وجَعَلْناهم أئِمَّةً يَدْعُونَ إلى النّارِ ويَوْمَ القِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ﴾ [القصص: ٤١]
وقَوْلُهُ تَعالى ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهم قَوْمُ نُوحٍ وعادٌ وفِرْعَوْنُ ذُو الأوْتادِ﴾ [ص: ١٢] إلى أنْ قالَ ﴿إنْ كُلٌّ إلا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ﴾ [ص: ١٤] غَيْرَ ذَلِكَ مِن مُحْكَمِ الآياتِ وصَرِيحِ الدَّلالاتِ البَيِّناتِ، وكَذا غَيْرُ فِرْعَوْنَ وقَوْمِهِ مِنَ الصّالِحِينَ والطّالِحِينَ جَعَلَهم سُبْحانَهُ سَلَفًا ومَثَلًا لِلْآخِرِينَ، فَمَن أرادَ بِهِ خَيْرًا يُسَرُّ لَهُ مِثْلُ خَيْرٍ احْتَذى بِهِ، ومَن أرادَ بِهِ شَرًّا أضَلَّهُ بِمِثْلِ سُوءٍ اقْتَدى بِهِ، فَقَدْ جَعَلَ اللهُ عِيسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ مَثَلًا لِتَمامِ قُدْرَتِهِ عَلى اخْتِراعِ الأشْياءِ بِأسْبابٍ وبِغَيْرِ أسْبابٍ، وكانَ أعْبَدَ أهْلِ زَمانِهِ وأعْلَمَهم وأزْهَدَهم وأقْرَبَهم إلى الخَيْرِ وأبْعَدَهم عَنِ الشَّرِّ، فاقْتَدى (p-٤٥٥)بِهِ مَن أرادَ اللهُ بِهِ الخَيْرَ في مِثْلِ ذَلِكَ فاهْتَدى بِهِ، وضَلَّ بِهِ آخَرُونَ وضَرَبُوا بِهِ لِأنْفُسِهِمْ أمْثالَ الآلِهَةِ، وصارُوا يَفْرَحُونَ بِما لا يَرْضاهُ عاقِلٌ ولا يَراهُ، وضَرَبَهُ قَوْمُكَ مَثَلًا لِآلِهَتِهِمْ لَمّا أخْبَرَنا أنَّهم مَعَهم حَصَبُ جَهَنَّمَ وسُرُّوا بِذَلِكَ وطَرِبُوا وظَنُّوا أنَّهم فازُوا وغَلَبُوا:
{"ayah":"فَجَعَلۡنَـٰهُمۡ سَلَفࣰا وَمَثَلࣰا لِّلۡـَٔاخِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق