الباحث القرآني
ولَمّا تَضَمَّنَ قَوْلُهم إثْباتَ عَظَمَةٍ لِأنْفُسِهِمْ بِالِاعْتِراضِ عَلى المَلِكِ، قالَ مُنْكِرًا عَلَيْهِمْ مُوَبِّخًا لَهم بِما مَعْناهُ أنَّهُ لَيْسَ الأمْرُ مَرْدُودًا إلَيْهِمْ ولا مَوْقُوفًا عَلَيْهِمْ بَلْ هو إلى اللهِ وحْدَهُ ﴿اللَّهُ أعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ﴾ [الأنعام: ١٢٤] ﴿أهُمْ﴾ أيْ أهَؤُلاءِ الجَهَلَةُ العَجَزَةُ ﴿يَقْسِمُونَ﴾ أيْ عَلى التَّجَدُّدِ والِاسْتِمْرارِ: ولَفَتَ القَوْلَ عَنْ إفْرادِ الضَّمِيرِ إلى صِفَةِ الرَّحْمَةِ المُضافَةِ إلى النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ تَشْرِيفًا لَهُ وإظْهارًا لَعَلِيٌّ قَدْرُهُ: ﴿رَحْمَتَ رَبِّكَ﴾ أيْ إكْرامِ المُحْسِنِ إلَيْكَ وإنْعامِهِ وتَشْرِيفِهِ بِأنْواعِ اللُّطْفِ والبِرِّ وإعْظامِهِ بِما رَبّاكَ لَهُ مِن تَخْصِيصِكَ بِالإرْسالِ إلَيْهِمْ بِتَأْهِيلِهِمْ لِلْإنْقاذِ مِنَ الضَّلالِ، وجَعَلَكَ وأنْتَ أفْضَلُ العالَمِينَ الرَّسُولُ إلَيْهِمْ فَفَضَّلُوا بِفَضِيلَتِكَ مَعَ أنَّكَ أشْرَفُهم نَسَبًا وأفْضَلُهم حَسَبًا وأعْظَمُهم عَقْلًا وأصْفاهم لُبًّا وأرْحَمُهم قَلْبًا لِيَتَصَرَّفُوا في تِلْكَ الرَّحْمَةِ الَّتِي هي رُوحُ الوُجُودِ وسِرُّ الأمْرِ بِحَسَبِ شَهَواتِهِمْ وهم لا يَقْدِرُونَ عَلى التَّصَرُّفِ في المَتاعِ الزّائِلِ بِمِثْلِ ذَلِكَ.
ولَمّا نَفى أنْ يَكُونَ لَهم شَيْءٌ مِنَ القَسْمِ قالَ جَوابًا لِمَن كَأنَّهُ (p-٤٢٢)قالَ: فَمَنِ القاسِمُ ؟ دالًّا عَلى بُعْدِهِمْ عَنْ أنْ يَكُونَ إلَيْهِمْ شَيْءٌ مِن قِسْمِ ما أعَدَّ لِأدْيانِهِمْ بِما يُشاهِدُونَهُ مَن بُعْدِهِمْ عَنْ قَسْمِ ما أُعِدَّ لِأبْدانِهِمْ، لافِتًا القَوْلَ عَنْ صِفَةِ الإحْسانِ إلى مَظْهَرِ العَظَمَةِ إشارَةً إلى أنَّها تَأْبى المُشارَكَةَ في شَيْءٍ وتَقْتَضِي التَّفَرُّدَ: ﴿نَحْنُ قَسَمْنا﴾ أيْ بِما مَنَّ العَظَمَةُ ﴿بَيْنَهُمْ﴾ أيْ في الأمْرِ الَّذِي يَعُمُّهم ويُوجِبُ تَخْصِيصَ كُلٍّ مِنهم بِما لَدَيْهِمْ ﴿مَعِيشَتَهُمْ﴾ الَّتِي يَعُدُّونَهُ رَحْمَةً ويُقْصِرُونَ عَلَيْها النِّعْمَةَ ﴿فِي الحَياةِ الدُّنْيا﴾ الَّتِي هي أدْنى الأشْياءِ عِنْدَنا، وأشارَ إلى أنَّها حَياةٌ ناقِصَةٌ لا يَرْضاها عاقِلٌ، وأمّا الآخِرَةُ فَعَبَّرَ عَنْها بِالحَيَوانِ لِأنّا لَوْ تَرَكْنا قَسْمَها إلَيْهِمْ لَتَعاوَنُوا عَلى ذَلِكَ فَلَمْ يَبْقَ مِنهم أحَدٌ فَكَيْفَ يَدْخُلُ في الوَهْمِ أنْ يَجْعَلَ إلَيْهِمْ شَيْئًا مِنَ الكَلامِ في أمْرِ النُّبُوَّةِ الَّتِي هي رُوحُ الوُجُودِ، وبِها سَعادَةُ الدّارَيْنِ: ﴿ورَفَعْنا﴾ بِما لَنا مِن نُفُوذِ الأمْرِ ﴿بَعْضَهُمْ﴾ وإنْ كانَ ضَعِيفَ البَدَنِ قَلِيلَ العَقْلِ ﴿فَوْقَ بَعْضٍ﴾ وإنْ كانَ قَوِيًّا عَزِيزَ العَقْلِ ﴿دَرَجاتٍ﴾ في الجاهِ والمالِ ونُفُوذِ الأمْرِ وعِظَمِ القَدْرِ لِيَنْتَظِرَ حالَ الوُجُودِ، فَإنَّهُ لا بُدَّ في انْتِظامِهِ مِن تَشارُكِ المَوْجُودِينَ وتَعاوُنِهِمْ، تَفاوَتْنا بَيْنَهم في الجُثَثِ والقُوى والهِمَمِ لِيَقْتَسِمُوا الصَّنائِعَ، والمَعارِفَ والبَضائِعَ، ويَكُونُ كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِما خُلِقَ لَهُ، وجانِحًا إلى ما هي لَهُ لِتَعاطِيهِ، فَلَمْ يَقْدِرْ أحَدٌ مِن دَنِيءٍ أوْ غَنِيٍّ أنْ يَعْدُوَ قَدْرَهُ (p-٤٢٣)وتَرْتَقِيَ فَوْقَ مَنزِلَتِهِ.
ولَمّا ذَكَرَ ذَلِكَ، عَلَّلَهُ بِما ثَمَرَتُهُ عِمارَةُ الأرْضِ فَقالَ: ﴿لِيَتَّخِذَ﴾ أيْ بِغايَةِ جُهْدِهِ ﴿بَعْضُهم بَعْضًا﴾ ولَمّا كانَ المُرادُ هُنا الِاسْتِخْدامَ دُونَ الهَزْءِ لِأنَّهُ لا يَلِيقُ التَّعْلِيلُ بِهِ، أجْمَعَ القُرّاءُ عَلى ضَمِّ هَذا الحَرْفِ هُنا فَقالَ: ﴿سُخْرِيًّا﴾ أيْ أنْ يَسْتَعْمِلَهُ فِيما يَنُوبُهُ أوْ يَتَعَسَّرُ أوْ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ مُباشَرَتُهُ ويَأْخُذُ لِلْآخَرِ مِنهُ مِنَ المالِ ما هو مُفْتَقِرٌ إلَيْهِ، فَهَذا بِمالِهِ، وهَذا بِأعْمالِهِ، وقَدْ يَكُونُ الفَقِيرُ أكْمَلَ مِنَ الغَنِيِّ لِيَكْمُلَ بِذَلِكَ نِظامُ العالَمِ لِأنَّهُ لَوْ تَساوَتِ المَقادِيرُ لَتَعَطَّلَتِ المَعايِشُ، فَلَمْ يَقْدِرْ أحَدٌ أنْ يَنْفَكَّ عَمّا جَعَلْناهُ إلَيْهِ مِن هَذا الأمْرِ الدَّنِيءِ فَكَيْفَ يَطْمَعُونَ في الِاعْتِراضِ في أمْرِ النُّبُوَّةِ، أيَتَصَوَّرُ عاقِلٌ أنْ يَتَوَلّى قِسْمَ النّاقِصِ ونَكِلُ العالِي إلى غَيْرِنا، قالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: فَإذا كانَتِ الأرْزاقُ بِقَدَرِ اللهِ لا بِحَوَلِ المُحْتالِ وهي دُونَ النُّبُوَّةِ فَكَيْفَ تَكُونُ النُّبُوَّةُ - انْتَهى. وهَذا هو المُرادُ بِقَوْلِهِ تَعالى صارِفًا القَوْلَ عَنْ مَظْهَرِ العَظْمَةِ والسُّلْطانِ إلى الوَصْفِ بِالإحْسانِ إظْهارًا لِشَرَفِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ﴿ورَحْمَتُ رَبِّكَ﴾ أيِ المُرَبِّي لَكَ والمُدَبِّرُ لِأمْرِكَ بِإرْسالِكَ وإنارَةِ الوُجُودِ بِرِسالَتِكَ الَّتِي هي لِعَظَمَتِها جَدِيرَةٌ بِأنْ تُضافَ إلَيْهِ ولا يُسَمّى غَيْرُكَ رَحْمَةً ﴿خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ﴾ مِنَ الحُطامِ الفانِي فَإنَّهُ وإنْ تَأْتِي فِيهِ خَيْرٌ بِاسْتِعْمالِهِ في وُجُوهِ البِرِّ بِشَرْطِهِ، فَهَذا بِالنِّسْبَةِ إلى النُّبُوَّةِ، وما قارَنّا (p-٤٢٤)مِمّا دَعا إلى الإعْراضُ عَنِ الدُّنْيا مُتَلاشٍ.
{"ayah":"أَهُمۡ یَقۡسِمُونَ رَحۡمَتَ رَبِّكَۚ نَحۡنُ قَسَمۡنَا بَیۡنَهُم مَّعِیشَتَهُمۡ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَاۚ وَرَفَعۡنَا بَعۡضَهُمۡ فَوۡقَ بَعۡضࣲ دَرَجَـٰتࣲ لِّیَتَّخِذَ بَعۡضُهُم بَعۡضࣰا سُخۡرِیࣰّاۗ وَرَحۡمَتُ رَبِّكَ خَیۡرࣱ مِّمَّا یَجۡمَعُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











