الباحث القرآني

ولَمّا كانَ تَرْكُ المَدْعُوِّ لِلدَّلِيلِ واتِّباعِهِ لِلْهَوى غائِظًا مُوجِعًا ومُنِكِّئًا مُولِمًا، قالَ يُسَلِّيهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عاطِفًا عَلى قَوْلِهِ: ﴿وكَذَلِكَ﴾ (p-٤١١)أيْ ومِثْلُ هَذا الفِعْلِ المُتَناهِي في البَشاعَةِ فَعَلَتِ الأُمَمُ الماضِيَةُ مَعَ إخْوانِكَ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ؛ ثُمَّ فَسَّرَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿ما أرْسَلْنا﴾ مَعَ ما لَنا مِنَ العَظَمَةِ. ولَمّا كانَتْ مَقالَةُ قُرَيْشٍ قَدْ تَقَدَّمَتْ والمُرادُ التَّسْلِيَةُ بِغَيْرِهِمْ، وكانَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ خاتَمُ النَّبِيِّينَ فَلا أُمَّةَ لِغَيْرِهِ في زَمانِهِ ولا بَعْدَهُ يُسَلِّيهِ بِها، سَلاهُ بِمَن مَضى، وقَدَّمَ ذِكْرَ القِبْلِيَّةِ اهْتِمامًا بِالتَّسْلِيَةِ وتَخْلِيصًا لَها مِن أنْ يَتَوَهَّمَ أنَّهُ يَكُونُ مَعَهُ في زَمانِهِ أوْ بَعْدَهُ نَذِيرٌ، وإفْهامًا لِأنَّ المُجَدِّدَ لِشَرِيعَتِهِ إنَّما يَكُونُ مُغِيثًا لِأُمَّتِهِ وبَشِيرًا لا نَذِيرًا لِثَباتِهِمْ عَلى الدِّينِ بِتَصْدِيقِهِمْ جَمِيعَ النَّبِيِّينَ فَقالَ تَعالى: ﴿مِن قَبْلِكَ﴾ أيْ في الأزْمِنَةِ السّالِفَةِ حَتّى القَرِيبَةِ مِنكَ جِدًّا، فَإنَّ التَّسْلِيَةَ بِالأقْرَبِ أعْظَمُ، وأثْبَتَ الجارَّ لِأنَّ الإرْسالَ بِالفِعْلِ لَمْ يَعُمَّ جَمِيعَ الأزْمِنَةِ وأسْقَطُ هَذِهِ القِبْلِيَّةَ في ”سَبَأٍ“ لِأنَّ المُرادَ فِيها التَّعْمِيمُ لِأنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ لِقُرَيْشٍ ذِكْرٌ حَتّى يَخُصَّ مَن قَبْلَهم. ولَمّا كانَ أهْلُ القُرى أقْرَبَ إلى العَقْلِ وأوْلى بِالحِكْمَةِ والحِكَمِ، قالَ: ﴿فِي قَرْيَةٍ﴾ وأعْرَقَ في النَّفْيِ بِقَوْلِهِ: ﴿مِن نَذِيرٍ﴾ وبَيَّنَ بِهِ أنَّ مَوْضِعَ الكَراهَةِ والخِلافِ الإنْذارُ عَلى مُخالَفَةِ الأهْواءِ ﴿إلا قالَ مُتْرَفُوها﴾ أيْ أهْلُ التَّرَفُّهِ بِالضَّمِّ وهي النِّعْمَةُ والطَّعامُ الطَّيِّبُ والشَّيْءُ الطَّرِيقُ يَكُونُ خاصَّةً بِالمُتْرَفِ، وذَلِكَ مُوجِبٌ لِلْقِلَّةِ وهو مُوجِبٌ لِلرّاحَةِ والبِطالَةِ (p-٤١٢)الصّارِفُ عَنْ جُهْدِ الِاجْتِهادِ إلى سَفالَةِ التَّقْلِيدِ، وهو مُوجِبٌ لِرُكُونِ الهَواءِ ولَوْ بانَ الدَّلِيلُ، وهو مُوجِبٌ لِلْبَغْيِ والإصْرارِ عَلَيْهِ واللَّجاجَةِ فِيهِ والتَّجَبُّرِ والطُّغْيانِ، ومُعْظَمُ النّاسِ في الأغْلَبِ أتْباعٌ لِهَؤُلاءِ: ﴿إنّا وجَدْنا آباءَنا﴾ أيْ وهم أعْرَفُ مِنّا بِالأُمُورِ ﴿عَلى أُمَّةٍ﴾ أيْ أمْرٌ جامِعٌ يَسْتَحِقُّ أنْ يُقْصَدَ ويُؤَمَّ وطَرِيقَةٌ ودِينٌ، وأكَّدُوا قَطْعًا لِرَجاءِ المُخالِفِ مِن لَفْتِهِمْ عَنْ ذَلِكَ ﴿وإنّا عَلى آثارِهِمْ﴾ لا غَيْرُها، ثُمَّ بَيَّنُوا الجارَّ والمَجْرُورَ وأخْبَرُوا خَبَرًا ثانِيًا واسْتَأْنَفُوا لِإتْمامِ مُرادِهِمْ قَوْلَهم إيضاحًا لِأنَّ سَبَبَ القَصِّ القُدْوَةُ: ﴿مُقْتَدُونَ﴾ أيْ مُسْتَنُّونَ أيْ راكِبُونَ سُنَنَ طَرِيقِهِمْ لازِمُونِ لَهُ لِأنَّهم مُقْتَدُونَ لِأنْ تُقَدَّمَ عَلَيْهِمْ، وحالُنا أطْيَبُ ما يَكُونُ في الِاسْتِقامَةِ وأقْرَبُ وأسْرَعُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب