الباحث القرآني

ولَمّا كانَ جَوابُهم بِغَيْرِ هاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ ودَلَّ بِذِكْرِهِما عَلى أنَّهُما لا زَمانَ لِاعْتِرافِهِمْ تَنْبِيهًا لَهم عَلى مَوْضِعِ الحُجَّةِ، أتْبَعُهُما مِن كَلامِهِ دَلالَةً عَلى ذَلِكَ قَوْلُهُ التِفاتًا إلى الخِطابِ لِأنَّهُ أمْكَنَ في التَّقْرِيعِ والتَّوْبِيخِ والتَّشْنِيعِ وتَذْكِيرًا لَهم بِالإحْسانِ المُوجِبِ لِلْإذْعانِ وتَفْصِيلًا لِلْقُدْرَةِ: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ﴾ فَإنَّهُ لَوْ كانَ ذَلِكَ قَوْلُهم لَقالُوا لَنا ﴿الأرْضَ مَهْدًا﴾ أيْ فِراشًا، قارَّةٌ ثابِتَةٌ وطَيِّةٌ، ولَوْ شاءَ لَجَعَلَها مُزَلْزَلَةً لا يَثْبُتُ فِيها شَيْءٌ كَما تَرَوْنَ مِن بَعْضِ الجِبالِ، أوْ جَعَلَها مائِدَةً لا تَثْبُتُ لِكَوْنِها عَلى تَيّارِ الماءِ، ولَمّا جَعَلَ الأرْضَ قَرارًا لِأشْباحِكم جَعَلَ الأشْباحَ قَرارًا لِأرْواحِكم وطَوْقُها حَمَلَ قَرارَها وقُوَّةَ التَّصَرُّفِ بِهِ في حُضُورِها (p-٣٩٠)وأسْفارِها لِيَدُلَّكم ذَلِكَ عَلى تَصَرُّفِهِ سُبْحانَهُ في الكَوْنِ وتَصْرِيفِهِ لَهُ حَيْثُ أرادَ، وأنَّهُ الظّاهِرُ الَّذِي لا أُظْهِرَ مِنهُ والباطِنُ الَّذِي لا أُبْطِنَ مِنهُ، قالَ القُشَيْرِيُّ: فَإذا انْتَهى مُدَّةُ كَوْنِ النُّفُوسِ عَلى الأرْضِ حَكَمَ اللهُ بِخَرابِها، كَذَلِكَ إذا فارَقَتِ الأرْواحُ الأشْباحَ بِالكُلِّيَّةِ قَضى اللهُ بِخَرابِها، وأعادَ الفِعْلَ تَنْبِيهًا عَلى تَمَكُّنِهِ تَعالى مِن إقامَةِ الأسْبابِ لِتَيْسِيرِ الأُمُورِ الصِّعابِ إعْلامًا بِأنَّهُ لا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ: ﴿وجَعَلَ لَكم فِيها سُبُلا﴾ أيْ طُرُقًا تَسْلُكُونَها بَيْنَ الجِبالِ والأوْدِيَةِ، ولَوْ شاءَ لَجَعَلَها بِحَيْثُ لا يَسْلُكُ في مَكانٍ مِنها كَما جَعَلَ بَعْضَ الجِبالِ كَذَلِكَ، ثُمَّ ذَكَرَ العِلَّةَ الغائِبَةَ في ذَلِكَ فَقالَ: ﴿لَعَلَّكم تَهْتَدُونَ﴾ أيْ لِيَكُونَ خَلْقُنا لَها كَذَلِكَ جاعِلًا حالَكم حالَ مَن يُرْجى لَهُ الهِدايَةُ إلى مَقاصِدِ الدُّنْيا في الأسْفارِ وغَيْرِها ظاهِرًا فَتَتَوَصَّلُونَ بِها إلى الأقْطارِ الشّاسِعَةِ والأقالِيمِ الواسِعَةِ لِلْأُمُورِ الرّافِقَةِ النّافِعَةِ، فَإنَّها إذا تَكَرَّرَ سُلُوكُها صارَ لَها مِنَ الآثارِ النّاشِئَةِ مِن كَثْرَةِ التَّكْرارِ ما يَهْدِي كُلَّ مارٍّ وإلى المَقاصِدِ الأُخْرى وحِكْمَتِها (p-٣٩١)باطِنًا إذا تَأمَّلَ الفَطِنُ حِكْمَةَ مُسَخِّرِها وواضِعِها ومُيَسِّرِها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب