الباحث القرآني

ولَمّا كانَ ما مَضى مِن بَسْطِ الرِّزْقِ وقَبْضِهِ، وإنْزالِ الغَيْثِ وحَبْسِهِ. مِنَ الآياتِ العَظِيمَةِ، عَمَّمَ بِذِكْرِ ما ذَلِكَ بَعْضٌ مِنهُ، وهو دالٌّ عَلى جَمِيعِ ما خَتَمَ بِهِ الآيَةَ السّالِفَةَ مِنَ الحَمْدِ الَّذِي هو الِاتِّصافُ بِجَمِيعِ صِفاتِ الكَمالِ فَقالَ عاطِفًا عَلى ما تَقْدِيرُهُ: فَذَلِكَ مِن آياتِ اللهِ الدّالَّةِ عَلى قُدْرَتِهِ واخْتِيارِهِ وإنَّهُ هو الَّذِي يُحْيِي هَذا الوُجُودَ بِالمَعانِي مِن رُوحِ الوَحْيِ وغَيْرِهِ تارَةً والأعْيانِ مِنَ الماءِ وغَيْرِهِ أُخْرى: ﴿ومِن آياتِهِ﴾ العَظِيمَةِ عَلى ذَلِكَ وعَلى اسْتِحْقاقِهِ لِجَمِيعِ صِفاتِ الكَمالِ ﴿خَلْقُ السَّماواتِ﴾ الَّتِي تَعْلَمُونَ أنَّها مُتَعَدِّدَةً بِما تَرَوْنَ مِن أُمُورِ الكَواكِبِ ﴿والأرْضِ﴾ أيْ جِنْسِها عَلى ما هُما عَلَيْهِ مِنَ الهَيْئاتِ وما اشْتَمَلا عَلَيْهِ مِنَ المَنافِعِ والخَيْراتِ ﴿وما بَثَّ﴾ أيْ فَرْقٍ بِالأبْدانِ والقُلُوبِ عَلى هَذا المِنوالِ الغَرِيبِ مِنَ الحِسِّ والحَرَكَةِ بِالِاخْتِيارِ مَعَ التَّفاوُتِ في الأشْكالِ، والقُدُورِ والهَيْئاتِ والأخْلاقِ وغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ النَّقْصِ والكَمالِ. ولَمّا كانَتِ الأرْضُ بِناءً والسَّماءُ سَقْفَهُ، فَمَن كانَ في أحَدِهِما صَحَّ نِسْبَتُهُ إلى أنَّهُ في كُلٍّ مِنهُما: الأسْفَلُ بِالإقْلالِ والأعْلى بِالإظْلالِ قالَ تَعالى: ﴿فِيهِما﴾ أيِ السَّماواتِ والأرْضِ ولا سِيَّما وقَدْ جَعَلَ لِكُلٍّ مِنهُما تَسَبُّبًا (p-٣١٣)فِي ذَلِكَ بِما أوْدَعَهُما مِنَ الجَواهِرِ وأنْشَأ عَنْهُما مِنَ العَناصِرِ. ولَمّا كانَتِ الحَياةُ الَّتِي هي سَبَبُ الِانْتِشارِ والدَّبِّ رُبَّما أوْرَثَتْ صاحِبَها كِبْرًا وغِلْظًا في نَفْسِهِ نَظُنُّ أنَّهُ تامُّ القُدْرَةِ، أنَّثَ تَحْقِيرًا لِقُدْرَتِهِ وتَوْهِيَةً لِشَأْنِهِ ورُتْبَتِهِ فَقَلَّلَ ﴿مِن دابَّةٍ﴾ أيْ شَيْءٌ فِيهِ أهْلِيَّةُ الدَّبِيبِ بِالحَياةِ مِنَ الإنْسِ والجِنِّ والمَلائِكَةِ وسائِرِ الحَيَواناتِ عَلى اخْتِلافِ أصْنافِهِمْ وألْوانِهِمْ وأشْكالِهِمْ ولُغاتِهِمْ وطِباعِهِمْ وأجْناسِهِمْ وأنْواعِهِمْ أقْطارِهِمْ ونَواحِيهِمْ وأصْقاعِهِمْ ومَن نَظَرَ إلى صَنائِعِهِ سُبْحانَهُ تَيَقَّنَ وجُودَهُ وقُدْرَتَهُ واخْتِيارَهُ، ثُمَّ إذا أمْعَنَ في النَّظَرِ وتابَعَ التَّدَبُّرَ في الفِكْرِ وصَلَ إلى مَعْرِفَةِ الصّانِعِ بِأسْمائِهِ وصِفاتِهِ وما يَنْبَغِي لَهُ ويَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ فَيَحْمَدُهُ بِمَحامِدِهِ الَّتِي لا نِهايَةَ لَها ويُسَبِّحُهُ بِسُبْحانِهِ ثُمَّ إنْ أمْعَنَ سَما إلى الوُقُوفِ عَلى حِكْمَةِ ما جاءَتْ بِهِ الرُّسُلَ ونَزَلَتْ بِهِ الكُتُبُ. ولَمّا كُنّا عالِمِينَ بِأنَّ مَن أوْجَدَ أشْياءَ عَلى ضَمِّ أشْتاتِهِمْ مَتى شاءَ مَعَ نَقْصِ التَّصَرُّفِ والعَجْزِ في التَّقَلُّبِ كُنّا جَدِيرِينَ بِالعِلْمِ القَطْعِيِّ (p-٣١٤)بِمَضْمُونِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وهُوَ﴾ أيْ بِما لَهُ مِن صِفاتِ العَظَمَةِ الَّتِي يَعْلَمُ الظّاهِرَ مَعَها، وما غابَ عَنّا أكْبَرُ ﴿عَلى جَمْعِهِمْ﴾ أيْ هَذِهِ الدَّوابُّ مِن ذَوِي العُقُولِ وغَيْرِهِمْ بَعْدَ تَفَرُّقِهِمْ بِالقُلُوبِ والأبْدانِ بِالمَوْتِ وغَيْرِهِ مِنَ الحُظُوظِ والأهْواءِ وغَيْرِ ذَلِكَ. ولَمّا كانَ الجَمْعُ لا بُدَّ مِنهُ، عَبَّرَ بِأداةِ التَّحَقُّقِ فَقالَ مُعَلِّقًا بِجَمْعِ: ﴿إذا﴾ وحَقَّقَ النَّظَرَ إلى البَعْثِ فَعَبَّرَ بِالمُضارِعِ فَقالَ: ﴿يَشاءُ قَدِيرٌ﴾ أيْ بالِغُ القُدْرَةِ كَما كانَ بالِغَ القُدْرَةِ عِنْدَ الإيجادِ مِنَ العَدَمِ بِجَمْعِهِمْ في صَعِيدٍ واحِدٍ يَسْمَعُهُمُ الدّاعِي ويَنْفُذُهُمُ البَصَرُ،
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب