الباحث القرآني

ولَمّا ذَكَرَ سُبْحانَهُ سَفَهَهم في كُفْرِهِمْ بِالآخِرَةِ، شَرَعَ في ذِكْرِ الأدِلَّةِ عَلى قُدْرَتِهِ عَلَيْها وعَلى كُلِّ ما يُرِيدُ بِخَلْقِ الأكْوانِ وما فِيها الشّامِلُ لَهم ولِمَعْبُوداتِهِمْ مِنَ الجَماداتِ وغَيْرِها الدّالِّ عَلى أنَّهُ واحِدٌ لا شَرِيكَ لَهُ، فَقالَ مُنْكِرًا عَلَيْهِمْ [ومُقَرِّرًا بِالوَصْفِ لِأنَّهم كانُوا عالِمِينَ بِأصْلِ الخَلْقِ: ﴿قُلْ﴾ أيْ: لِمَن أنْكَرَ الآخِرَةَ مُنْكِرًا عَلَيْهِ ] بِقَوْلِكَ: ﴿أإنَّكُمْ﴾ وأكَّدَ لِإنْكارِهِمُ التَّصْرِيحَ بِما يَلْزَمُهم مِنَ الكُفْرِ ﴿لَتَكْفُرُونَ﴾ أيْ: تُوجِدُونَ حَقِيقَةَ السَّتْرِ لِأنْوارِ العُقُولِ الظّاهِرَةِ ﴿بِالَّذِي خَلَقَ الأرْضَ﴾ (p-١٤٩)أيْ: عَلى سِعَتِها وعَظَمَتِها مِنَ العَدَمِ ﴿فِي يَوْمَيْنِ﴾ فَتُنْكِرُونَ قُدْرَتَهُ عَلى إعادَةِ ما خَلَقَهُ [مِنها] ابْتِداءً مَعَ اعْتِرافِكم بِأنَّهُ ابْتَدَأ خَلْقَها وخَلْقَ ذَلِكَ مِنها، وهَذانِ اليَوْمانِ الأحَدُ والِاثْنَيْنُ - نُقِلَ هَذا عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما - وعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: والأكْثَرِينَ، وحَدِيثُ مُسْلِمٍ الَّذِي تَقَدَّمَ في سُورَةِ البَقَرَةِ: «خَلَقَ اللَّهُ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ» يُخالِفُ هَذا، فَإنَّ البُداءَةَ فِيهِ بِيَوْمِ السَّبْتِ وهو مُصَرِّحٌ بِأنَّ خَلْقَ الأرْضِ وما فِيها في سِتَّةِ أيّامٍ كَما هو ظاهِرُ هَذِهِ الآيَةِ، ويُجابُ بِأنَّ المُرادَ بِالخَلْقِ فِيهِ إخْراجُ أقْواتِها بِالفِعْلِ، والمُرادُ هُنا تَهْيِئَتُها لِقَبُولِ ذَلِكَ، ويُشَكِّلُ أيْضًا بِأنَّ الأيّامَ إنَّما كانَتْ بِدَوَرانِ الأفْلاكِ، وإنَّما كانَ ذَلِكَ بَعْدَ تَمامِ الخَلْقِ بِالفِعْلِ، فالظّاهِرُ أنَّ المُرادَ بِاليَوْمِ ما قالَهُ الحَرّالِيُّ: مِقْدارُ ما يَتِمُّ فِيهِ أمْرٌ ظاهِرٌ أوْ مِقْدارُ يَوْمَيْنِ تَعْرِفُونَها مِن أيّامِ الدُّنْيا. ولَمّا ذَكَرَ كَفْرَهم بِالبَعْثِ وغَيْرِهِ، عَطَفَ عَلى ”تَكْفُرُونَ“ قَوْلَهُ: ﴿وتَجْعَلُونَ﴾ أيْ: مَعَ هَذا الكُفْرِ ﴿لَهُ أنْدادًا﴾ مِمّا خَلَقَهُ، فَتُثْبِتُونَ لَهُ أفْعالًا وأقْوالًا مَعَ أنَّكم لَمْ تَرَوْا شَيْئًا مِن ذَلِكَ، فَأنْكَرْتُمْ ما تَعْمَلُونَ مِثْلَهُ وأكْبَرَ مِنهُ، وأثْبَتُّمْ ما لَمْ تَعْمَلُوهُ أصْلًا، هَذا هو الضَّلالُ المُبِينُ. ولَمّا بَكَّتَهم عَلى قَبِيحِ مُعْتَقَدِهِمْ، عَظُمَ ذَلِكَ بِتَعْظِيمِ شَأْنِهِ سُبْحانَهُ فَقالَ: ﴿ذَلِكَ﴾ أيْ: (p-١٥٠)الإلَهُ العَظِيمُ ﴿رَبُّ العالَمِينَ﴾ أيْ: مُوجِدُهم ومُرَبِّيهِمْ، وذَلِكَ يَدُلُّ قَطْعًا عَلى [جَمِيعِ] ما لَهُ مِن صِفاتِ الكَمالِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب