الباحث القرآني

ولَمّا أخْبَرُوا بِإعْراضِهِمْ وعَلَّلُوا بِعَدَمِ فَهْمِهِمْ بِما يَدْعُو إلَيْهِ، أمَرَهُ سُبْحانَهُ بِجَوابٍ يُبَيِّنُ أنَّهم عَلى مَحْضِ العِنادِ فَقالَ: ﴿قُلْ﴾ أيْ: لِهَؤُلاءِ الَّذِينَ عَجَزُوا عَنْ رَدِّ شَيْءٍ مِن أمْرِكَ بِشَيْءٍ يَقْبَلُهُ ذُو عَقْلٍ فادْعُوا ما يُنادِي (p-١٤٤)عَلَيْهِمْ بِالعَجْزِ: ﴿إنَّما أنا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ لا غَيْرَ بَشَرٍ مِمّا لا يُرى، والبَشَرُ يَرى بَعْضُهُ بَعْضًا ويَسْمَعُهُ ويُبْصِرُهُ، فَقَوْلُكم أنَّهُ لا وُصُولَ لَكم إلى رُؤْيَتِي ولا إدْراكَ شَيْءٍ مِمّا أقُولُ مِمّا لا وجْهَ لَهُ أصْلًا. ولَمّا كانَ ادِّعاؤُهم لِعَدَمِ المُواصَلَةِ بَيْنَهم قَدْ تَضَمَّنَ شَيْئَيْنِ: أحَدُهُما فِيهِ، والآخَرُ فِيما يَدْعُو إلَيْهِ، ونَقْضُ الأوَّلِ، قالَ في الثّانِي: ﴿يُوحى إلَيَّ﴾ أيْ: بِطَرِيقٍ يَخْفى عَلَيْكم ﴿أنَّما إلَهُكُمْ﴾ أيِ: الَّذِي يَسْتَحِقُّ العِبادَةَ ﴿إلَهٌ واحِدٌ﴾ لا غَيْرَ [واحِدٍ]، وهَذا مِمّا دَلَّتْ عَلَيْهِ الفِطَرُ الأُولى السَّوِيَّةُ وقامَتْ عَلَيْهِ الأدِلَّةُ العَقْلِيَّةُ وأيَّدَتْها في كُلِّ عَصْرٍ الطُّرُقُ النَّقْلِيَّةُ، وانْعَقَدَ عَلَيْهِ الإجْماعُ في أوْقاتِ الضَّرُوراتِ النَّفْسانِيَّةِ، أيْ: لَسْتَ مُغايِرًا لِلْبَشَرِ مِمَّنْ يَخْفى عَلَيْكم شَخْصُهُ كالمَلِكِ، ولا يَعْجُمُ عَلَيْهِمْ مُرادُهُ بِصَوْتِهِ كَسائِرِ الحَيَواناتِ، ومَعَ كَوْنِي بَشَرًا فَلَسْتُ بِمُغايِرٍ لَكم في الصِّنْفِ بِكَوْنِي أعْجَمِيًّا، بَلْ أنا مِثْلُكم سَواءٌ في كَوْنِي عَرَبِيًّا، ومَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ فَأصْلُ ما أُوحِيَ إلَيَّ لَيْسَ مُعَبِّرًا عَنْهُ بِجُمَلٍ طِوالٍ تَمَلُّ أوْ تُنْسى، أوْ يُشَكِّلُ فَهْمَها، وإنَّما هو حَرْفٌ واحِدٌ وهو التَّوْحِيدُ، فَلا عُذْرَ لَكم أصْلًا في عَدَمِ فَهْمِهِ ولا سَماعِهِ ولا رُؤْيَةِ قائِلِهِ. ولَمّا قَطَعَ حُجَّتَهم وأزالَ عِلَّتَهُمْ، سَبَّبَ عَنْ ذَلِكَ قَوْلَهُ: (p-١٤٥)﴿فاسْتَقِيمُوا﴾ أيِ: اطْلُبُوا واقْصِدُوا وأوْجِدُوا القِوامَ مُتَوَجِّهِينَ وإنْ كانَ في غايَةِ البُعْدِ عَنْكم ﴿إلَيْهِ﴾ غَيْرَ مُعَرِّجِينَ أصْلًا عَلى نَوْعِ شِرْكٍ بِشَفِيعٍ ولا غَيْرِهِ. ولَمّا [كانَ] أعْظَمَ المُرادِ مِنَ الوَحْيِ العِلْمُ والعَمَلُ، وكانَ رَأْسَ العَلَمِ التَّوْحِيدُ فَعَرَفَهُ وأمِرَ بِالِاسْتِقامَةِ فِيهِ، أتْبَعَهُ رَأْسَ العَمَلِ وهو ما أنْبَأ عَنِ الِاعْتِرافِ بِالعَجْزِ مَعَ الِاجْتِهادِ فَقالَ: ﴿واسْتَغْفِرُوهُ﴾ أيِ: اطْلُبُوا مِنهُ غُفْرانَ ذُنُوبِكُمْ، وهو مَحْوُها عَيْنًا وأثَرًا [حَتّى] لا تُعاقِبُوا عَلَيْها ولا تُعاتِبُوا بِالنَّدَمِ عَلَيْها، والإقْلاعِ عَنْها حالًا ومَآلًا. ولَمّا أمَرَ بِالخَيْرِ، رَغَّبَ فِيهِ ورَهَّبَ مِن ضِدِّهِ، فَكانَ التَّقْدِيرُ لِلتَّرْغِيبِ: فالفَلاحُ والفَوْزُ لِمَن فَعَلَ ذَلِكَ، فَعَطَفَ عَلَيْهِ ما السِّياقُ لَهُ، فَقالَ: ﴿ووَيْلٌ﴾ أيْ: سَوْأةٌ وهَلاكٌ ﴿لِلْمُشْرِكِينَ﴾
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب