الباحث القرآني

ولَمّا أخْبَرَ عَنْ إعْراضِهِمْ، أخْبَرَ عَنْ مُباعَدَتِهِمْ فِيهِ فَقالَ: ﴿وقالُوا﴾ أيْ: عِنْدَ إعْراضِهِمْ مُمَثِّلِينَ لِمُباعَدَتِهِمْ في عَدَمِ قَبُولِهِمْ: ﴿قُلُوبُنا في أكِنَّةٍ﴾ أيْ: أغْشِيَةٍ مُحِيطَةٍ بِها، ولَمّا كانَ السِّياقُ في الكَهْفِ لِلْعَظَمَةِ كانَ الأنْسَبُ لَهُ أداةَ الِاسْتِعْلاءِ فَقالَ: ﴿إنّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أكِنَّةً﴾ [الكهف: ٥٧] وعَبَّرُوا هُنا بِالظَّرْفِ إبْعادًا لِأنْ يَسْمَعُوا ﴿مِمّا﴾ أيْ: مُبْتَدِئَةٌ تِلْكَ الأغْشِيَةِ وناشِئَةٌ مِنَ الأمْرِ الَّذِي ﴿تَدْعُونا﴾ أيُّها المُخْبِرُ بِأنَّهُ نَبِيٌّ ﴿إلَيْهِ﴾ فَلا سَبِيلَ لَهُ إلى الوُصُولِ إلَيْها لِنَفْيِهِ أصْلًا. ولَمّا كانَ القَلْبُ أفْهَمَ لِما يَرِدُ إلَيْهِ مِن جِهَةِ السَّمْعِ قالُوا: ﴿وفِي آذانِنا﴾ الَّتِي هي أحَدُ الطُّرُقِ المُوصِلَةِ إلى القُلُوبِ ﴿وقْرٌ﴾ أيْ: ثَقُلَ قَدْ أصَمَّها عَنْ سَماعِهِ ﴿ومِن بَيْنِنا وبَيْنِكَ﴾ أيْ: (p-١٤٣)ومُبْتَدِئٌ مِنَ الحَدِّ الَّذِي فَصَلَكَ مِنّا والحَدِّ الَّذِي فَصَلَنا مِنكَ في مُنْتَصَفِ المَسافَةِ في ذَلِكَ ﴿حِجابٌ﴾ ساتِرٌ كَثِيفٌ، فَنَحْنُ لا نَراكَ لِنَفْهَمَ عَنْكَ بِالإشارَةِ، فانْسَدَّتْ طُرُقُ الفَهْمِ لِما نَقُولُ ﴿فاعْمَلْ﴾ [أيْ]: بِما تَدِينُ بِهِ. ولَمّا كانَ تَكْرارُ الوَعْظِ مَوْضِعًا لِلرَّجاءِ في رُجُوعِ المَوْعُوظِ قَطَعُوا ذَلِكَ الرَّجاءَ بِالتَّأْكِيدِ بِأداتِهِ، وزادُوهُ بِالنُّونِ الثّالِثَةِ والتَّعْبِيرِ بِالِاسْمِيَّةِ فَقالُوا: ﴿إنَّنا عامِلُونَ﴾ أيْ: بِما نَدِينُ بِهِ فَلا مُواصَلَةَ بَيْنَنا بِوَجْهٍ لِيَسْتَحِي أحَدٌ مِنّا مِنَ الآخَرِ في عَمَلِهِ أوْ يَرْجِعُ إلَيْهِ، ولَوْ قالَ: (وبَيْنَنا) مِن غَيْرِ (مِن) لِأفْهَمَ أنَّ البَيِّنَيْنِ بِأسْرِهِما حِجابٌ، فَكانَ كُلٌّ مِنَ الفَرِيقَيْنِ مُلاصِقًا لِبَيْنِهِ، وهو نِصْفُ الفَراغِ الحاصِلِ بَيْنَهُ وبَيْنَ خَصْمِهِ، فَيَكُونُ حِينَئِذٍ كُلُّ فَرِيقٍ مَحْبُوسًا بِحِجابِهِ لا يَقْدِرُ عَلى عَمَلٍ فِينا في ما بَعْدَهُ أوْ يَكُونُ بَيْنَهُما اتِّصالٌ أقَلُّهُ بِالإعْلامِ بِطَرْقِ مَن أرادَ مِنَ المُتَبايِنَيْنِ الحِجابُ، فَأفادَتْ (مِنَ) التَّبْعِيضِ مَعَ إفادَةِ الِابْتِداءِ، فَإنَّهم لا يُثْبِتُونَ الحِجابَ في غَيْرِ أُمُورِ الدِّينِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب