الباحث القرآني

ولَمّا كانَ حالُ الإنْسانِ إنْ مالَ إلى جانِبِ الخَوْفِ الهَلَعُ أوْ إلى جانِبِ الرَّجاءِ البَطَرُ، فَكانَ لا يُصْلِحُهُ إلّا الِاعْتِدالُ، بِالتَّوَسُّطِ المُوصِلِ إلى الكَمالِ، بِما يَكُونُ لِطَبْعِهِ بِمَنزِلَةِ حِفْظِ الصِّحَّةِ ودَفْعِ المَرَضِ لِبَدَنِهِ، قالَ واصِفًا لِ ”قُرْآنًا“ ﴿بَشِيرًا﴾ أيْ: لِمَنِ اتَّبَعَ ﴿ونَذِيرًا﴾ أيْ: لِمَنِ امْتَنَعَ فانْقَطَعَ. رَوى أبُو نُعَيْمٍ في الحِلْيَةِ في تَرْجَمَةِ إمامِنا الشّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وأرْضاهُ أنَّهُ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ - كَرَّمَ اللَّهُ وجْهَهُ - أنَّهُ قالَ في خُطْبَةٍ لَهُ: "وأعْجَبُ ما في الإنْسانِ قَلْبُهُ، ولَهُ مَوادُّ مِنَ الحِكْمَةِ وأضْدادٌ مِن خِلافِها إنْ سَنَحَ لَهُ الرَّجاءُ ادْلَهَمَّهُ الطَّمَعُ، وإنْ هاجَ بِهِ الطَّمَعُ أهْلَكَهُ الحِرْصُ، وإنْ مَلَكَهُ اليَأْسُ قَتَلَهُ الأسَفُ، وإنْ عَرَضَ لَهُ الغَضَبُ اشْتَدَّ بِهِ الغَيْظُ، وإنْ سَعِدَ بِالرِّضى نَسِيَ التَّحَفُّظَ، وإنْ نالَهُ الخَوْفُ شَغَلَهُ الحُزْنُ، وإنْ أصابَتْهُ مُصِيبَةٌ قَصَمَهُ الجَزَعُ، وإنْ أفادَ مالًا أطْغاهُ الغِنى، وإنْ عَضَّتْهُ فاقَةٌ شَغَلَهُ البَلاءُ، وإنْ أجْهَدَهُ الجُوعُ قَعَدَ بِهِ الضَّعْفُ، (p-١٤٢)فَكُلُّ تَقْصِيرٍ بِهِ مُضِرٌّ وكُلُّ إفْراطٍ بِهِ مُفْسِدٌ. ولَمّا كانَتْ عادَتُهم دَوامَ الِاحْتِياطِ في كُلِّ بِشارَةٍ ونِذارَةٍ بِأمْرٍ دُنْيَوِيٍّ، سَبَّبَ عَنْ هَذا مُخالَفَتَهم لِعادَتِهِمْ في تَرْكِ الحَزْمِ [بِالجَزْمِ] بِالإعْراضِ فَقالَ: ﴿فَأعْرَضَ أكْثَرُهُمْ﴾ أيْ: عَنْ تَجْوِيزِ شَيْءٍ مِن بَشائِرِهِ أوْ نَذائِرِهِ ﴿فَهُمْ﴾ لِذَلِكَ ﴿لا يَسْمَعُونَ﴾ أيْ: يَفْعَلُونَ فِعْلَ مَن لا يَسْمَعُ فَهم لا يَقْبَلُونَ شَيْئًا مِمّا دَعا إلَيْهِ وحَثَّ عَلَيْهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب