ولَمّا تَراءى [لَهُمْ] أنَّ الَّذِي أوْجَبَ لَهم هَذا السُّوءَ جُلُودُهم (p-١٨١)بِالشَّهادَةِ عَلَيْهِمْ وقُرَناؤُهم بَإضْلالِهِمْ لَهم وكانَ التَّباغُضُ والعَداوَةُ قَدْ وقَعَ بَيْنَ الجَمِيعِ، فَصارَ تَمَنِّي كُلٌّ لِلْآخَرِ السُّوءَ زِيادَةً في عَذابِهِمْ، وكانَتْ مَساءَةُ جُلُودِهِمْ مَساءَتَهُمْ، خَصُّوا القُرَناءَ بِإرادَةِ الِانْتِقامِ مِنهُمْ، فَحَكى سُبْحانَهُ قَوْلَهم بِقَوْلِهِ عَطْفًا عَلى ﴿وقالُوا لِجُلُودِهِمْ﴾ [فصلت: ٢١] أوْ عَلى ما تَقْدِيرُهُ: فَعَلِمُوا حِينَئِذٍ أنَّهم كانُوا عَلى ضَلالٍ لِتَقْصِيرِهِمْ في النَّظَرِ وتَقْلِيدِهِمْ لِغَيْرِهِمْ: ﴿وقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أيْ غَطُّوا أنْوارَ عُقُولِهِمْ داعِينَ بِما لَوْ يَسْمَعُ لَهُمْ، فَهو زِيادَةٌ في عُقُوبَتِهِمْ، وحِكايَتُهُ لَنا وعْظٌ وتَحْذِيرٌ: ﴿رَبَّنا﴾ أيْ أيُّها الَّذِي لَمْ يَقْطَعْ قَطُّ إحْسانَهُ عَنّا ﴿أرِنا﴾ الصِّنْفَيْنِ ﴿اللَّذَيْنِ أضَلانا﴾ عَنِ المَنهَجِ المُوصِلِ إلى مَحَلِّ الرِّضْوانِ ﴿مِنَ الجِنِّ والإنْسِ﴾ المُزَيِّنِينَ لَنا ارْتِكابَ السُّوءِ خِفْيَةً وجَهْرًا، قَرَأ الجَماعَةُ بِكَسْرِ الرّاءِ مَن أرِنا، وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ وابْنُ عامِرٍ ويَعْقُوبُ والسَّوَسِيُّ عَنْ أبِي عَمْرٍو وأبُو بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ بِإسْكانِ الرّاءِ هُنا خاصَّةً.
قالَ الأصْبَهانِيُّ: يُحْكى عَنِ الخَلِيلِ أنَّكَ إذا قُلْتَ: أرِنِي ثَوْبَكَ - بِالكَسْرِ فالمَعْنى بَصِّرْنِيهِ، وإذا قُلْتَهُ بِالسُّكُونِ فَهو اسْتِعْطاءٌ، ومَعْناهُ أعْطِنِي ثَوْبَكَ، ونَظِيرُهُ اشْتِهارُ الإيتاءِ في مَعْنى الإعْطاءِ، وأصْلُهُ الإحْضارُ - انْتَهى.
﴿نَجْعَلْهُما تَحْتَ أقْدامِنا﴾ (p-١٨٢)فِي النّارِ إذْلالًا لَهُما كَما جَعَلانا تَحْتَ أمْرِهِما ﴿لِيَكُونا مِنَ الأسْفَلِينَ﴾ أيْ مِن أهْلِ الدَّرْكِ الأسْفَلِ ومِمَّنْ هو دُونَنا كَما جَعَلانا كَذَلِكَ في الدُّنْيا في حَقِيقَةِ الحالِ بَإتْباعِنا لَهُما فِيما أرادَ بِنا، وفي الآخِرَةِ بِهَذا المالِ، والظّاهِرُ أنَّ المُرادَ أنَّ كُلَّ أحَدٍ يَتَمَنّى أنْ يَعْرِفَ مَن أضَلَّهُ مِنَ القَبِيلَتَيْنِ لِيَفْعَلَ بِهِمْ ذَلِكَ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ.
{"ayah":"وَقَالَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ رَبَّنَاۤ أَرِنَا ٱلَّذَیۡنِ أَضَلَّانَا مِنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ نَجۡعَلۡهُمَا تَحۡتَ أَقۡدَامِنَا لِیَكُونَا مِنَ ٱلۡأَسۡفَلِینَ"}