الباحث القرآني

ولَمّا كانَتِ السَّماواتُ أعْظَمَ مِنَ الأرْضِ في ذاتِها بِنُورِ أبْنِيَتِها واتِّساعِها [وزِينَتِها] ودَوَرانِ أفْلاكِها وارْتِفاعِها، نَبَّهَ عَلى ذَلِكَ بِالتَّعْبِيرِ بِأداةِ التَّراخِي، ولَفْظِ الِاسْتِواءِ وحَرْفِ الغايَةِ الدّالِّ عَلى عَظِيمِ العِنايَةِ فَقالَ: ﴿ثُمَّ اسْتَوى﴾ أيْ: قَصَدَ قَصْدًا هو القَصْدُ مُنْتَهِيًا قَصْدُهُ ﴿إلى السَّماءِ وهِيَ﴾ أيْ: والحالُ أنَّها ﴿دُخانٌ﴾ بَعْدَ ما فَتَقَها مِنَ (p-١٥٥)الأرْضِ، قالُوا: كانَ ذَلِكَ الدُّخانُ بُخارَ الماءِ فَهو مُسْتَعارٌ مِنَ المُرْتَفَعِ مِنَ النّارِ، وهو تَشْبِيهٌ صُورِيٌّ، فالسَّماءُ مُتَقَدِّمَةٌ في الدُّخّانِيَّةِ عَلى الأرْضِ، تَقَدَّمَ الذَّكَرُ عَلى الأُنْثى ثُمَّ خَلَقَتْ ذاتَ الأرْضِ وبَعْدَ تَصْوِيرِ السَّماءِ وتَتْمِيمِها دُحِيَتْ أُنْثى [الأرْضِ] وسُوِّيَتْ لِذِكْرِ السَّماءِ قالَ ابْنُ بُرْجانَ: فالَّذِي يَعْتَقِدُ أنَّ السَّماءَ أوَّلًا إيجادًا وتَتْمِيمًا والأرْضَ بَعْدَها إيجادًا ورُتْبَةً، وأيّامُ الخَلْقِ يَوْمانِ لِإيجادِ الأرْضِ ويَوْمانِ لِتَسْوِيَةِ السَّماءِ بَعْدَ أنْ كانَتْ دُخانًا، ويَوْمانِ لِتَتْمِيمِ المَنافِعِ فَتَداخَلَتِ الأعْدادُ لِتَداخُلِ الأفْعالِ ﴿فَقالَ لَها﴾ أيْ: عَقِبَ هَذا الِاسْتِواءِ ﴿ولِلأرْضِ﴾ بَعْدَ خَلْقِها وقَبْلَ دَحْوِها: ﴿ائْتِيا﴾ أيْ: تَعالَيا وأقْبِلا مُواتِيَتَيْنِ مُقارَنَتَيْنِ لِما قَدَّرْتُهُ فِيكُما وأرَدْتُهُ مِنكُما مِن إخْراجِ المَنافِعِ مِنَ المِياهِ والنَّباتِ والمَعادِنِ مُقارِنِينَ لِما قَدَّرْتُهُ فِيكُما وأرَدْتُهُ مِنكُما مِن إخْراجِ المَنافِعِ مِنَ المِياهِ والنَّباتِ والمَعادِنِ وغَيْرِها، ووَضَعَ المَصْدَرَ مَوْضِعَ الحالِ مُبالَغَةً فَقالَ: ﴿طَوْعًا أوْ كَرْهًا﴾ أيْ: طائِعَيْنِ أوْ كارِهَتَيْنِ في إخْراجِ ما أوْدَعْتُكُما مِنَ الأمانَةِ في أوْقاتِها وعَلى ما يَنْبَغِي مِن مَقادِيرِها وهَيْآتِها طَوْعَ تَسْخِيرٍ لا تَكْلِيفَ (p-١٥٦)﴿قالَتا أتَيْنا﴾ أيْ: نَحْنُ وما فِينا ما بَيْنَنا. ولَمّا جَعَلَهُما مَوْضِعَ المُخاطَبَةِ الَّتِي هي لِلْعُقَلاءِ والتَّكَلُّمِ، قالَ جامِعًا لَهُما بِاعْتِبارِ أفْرادِهِما وما فِيهِما جَمْعُ مَن يَعْقِلُ: ﴿طائِعِينَ﴾ أيْ: في كُلِّ ما رَسَمَتْهُ فِينا لا نَحْمِلُ مِن ذَلِكَ شَيْئًا بَلْ نَبْذُلُهُ عَلى ما أمَرْتَ بِهِ لا نُغَيِّرُ ولا نُبَدِّلُ، وذَلِكَ هو بَذْلُهُما لِلْأمانَةِ، وعَدَمُ حَمْلِها، وجَمْعُ الأمْرِ لَهُما في الإخْبارِ لا يَدُلُّ عَلى جَمْعِهِ في الزَّمانِ، بَلْ قَدْ يَكُونُ القَوْلُ لَهُما مُتَعاقِبًا
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب