الباحث القرآني

(p-١٣٢)ولَمّا كانَ الكُفْرُ بِالغَيْبِ سَبَبًا لِعَدَمِ قَبُولِ الإيمانِ عِنْدَ الشَّهادَةِ قالَ: ﴿فَلَمْ يَكُ﴾ أيْ: لَمْ يَصِحَّ ولَمْ يُقْبَلْ بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ لِأنَّهُ لا كَوْنَ يُساعِدُ عَلى ذَلِكَ ولا بِأدْنى دَرَجاتِ الكَوْنِ، فَأشارَ بِكانَ إلى أنَّ هَذا أمْرٌ مُسْتَقِرٌّ وشَأْنٌ مُسْتَمِرٌّ لِكُلِّ أُمَّةٍ لَيْسَ خاصًّا بِالمُحَدِّثِ عَنْهم ومَن مَضى قَبْلَهم [و] بِحَذْفِ لامِ الكَلِمَةِ إلى أنَّهم أمْعَنُوا في التَّرَقُّقِ بِتَقْرِيرِ الإيمانِ وتَكْرِيرِهِ وتَصْرِيحِهِ في لِإطْلاقِهِ، وتَسْرِيحِهِ، والوَقْتُ ضَيِّقٌ والمَجالُ حَصِيرٌ، وقَدْ أزِفَتِ الآزِفَةُ، لَيْسَ لَها مِن دُونِ اللَّهِ كاشِفَةٌ، فَلَمْ يَكُونُوا لِفَواتِ الوَقْتِ مُوفِينَ بِما طَلَبَ مِنهم ﴿يَنْفَعُهم إيمانُهُمْ﴾ أيْ: يَتَجَدَّدُ لَهم نَفْعُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأنَّهُ إيمانُ إلْجاءٍ واضْطِرارٍ لا إيمانَ طَواعِيَةٍ واخْتِيارٍ ﴿لَمّا رَأوْا﴾ [و] أظْهَرَ مَوْضِعَ الإضْمارِ زِيادَةً في التَّرْهِيبِ، فَقالَ: ﴿بَأْسَنا﴾ لِأنَّ الإيمانَ لا يَتَحَقَّقُ ولا يَتَصَوَّرُ إلّا مَعَ الغَيْبِ، وأمّا عِنْدَ الشَّهادَةِ فَقَدْ كَشَفَتْ سَرِيرَتُهُ عَلى أنَّهُ قَدْ فاتَتْ حَقِيقَتُهُ وصُورَتُهُ، فَلَوْ رَدُّوا لَعادُوا، ولَوْ أتاهم بَعْدَ ذَلِكَ العَذابُ لانْقادُوا، ولِهَذا السِّرِّ قالَ تَعالى صارِفًا القَوْلَ إلى الِاسْمِ المُقْتَضِي لِمَزْجِ الحِكْمَةِ بِالعَظَمَةِ: ﴿سُنَّتَ اللَّهِ﴾ أيْ: سَنَّ المَلِكُ الأعْظَمُ المُحِيطُ عِلْمًا وقُدْرَةً ذَلِكَ في كُلِّ دَهْرٍ سَنَةً، ولِذا قالَ: ﴿الَّتِي قَدْ خَلَتْ في عِبادِهِ﴾ أنَّ الإيمانَ بَعْدَ كَشْفِ الغِطاءِ لا يُقْبَلُ، وكُلُّ أُمَّةٍ كَذَّبَتِ الرُّسُلَ أُهْلِكَتْ، وكُلُّ مَن أُجِيبَ إلى الإيمانِ المُقْتَرَحَةِ فَلَمْ يُؤْمِن عُذِّبَ، سَنَّها سُنَّةً وأمْضاها عَزْمَةً، فَلا غَيْرَ لَها، فَرَبِحَ (p-١٣٣)إذْ ذاكَ المُؤْمِنُونَ ﴿وخَسِرَ﴾ أيْ: هَلَكَ أوْ تَحَقَّقَ وتَبَيَّنَ أنَّهُ خَسِرَ. ولَمّا كانَ المَكانُ لا يَنْفَكُّ عَنِ الزَّمانِ، اسْتُعِيرَ ظَرْفُهُ لَهُ ولِيَدُلَّ عَلى غايَةِ التَّمَكُّنِ فَقِيلَ: ﴿هُنالِكَ﴾ أيْ: في ذَلِكَ الوَقْتِ العَظِيمِ الشَّأْنِ بِما كانَ فِيهِ وكانَ ﴿الكافِرُونَ﴾ أيِ: العَرِيقُونَ في هَذا الوَصْفِ فَلا انْفِكاكَ بَيْنَهم وبَيْنَهُ، وقَدِ التَفَّ آخِرُها بِما بَيَّنَ مِن كَمالِ العِزَّةِ وتَمامِ القُدْرَةِ وشُمُولِ العِلْمِ مِمّا رَتَّبَ مِن أسْبابِ الهِدايَةِ والإضْلالِ والإشْقاءِ والإسْعادِ والنَّجاةِ والإهْلاكِ بِأوَّلِها أيِ التِفافٌ، واكْتَنَفَتِ البِدايَةُ والنِّهايَةُ بَيانَ ذَلِكَ مَعَ ما اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الوَسَطُ أيْضًا مِنهُ أعْظَمَ اكْتِنافٍ، فَسُبْحانَ مَن هَذا إنْزالُهُ، وتَبارَكَ اسْمُهُ وجُلَّ جَلالُهُ، ولا إلَهَ سِواهُ ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلّا بِاللَّهِ، رَبِّ سَهِّلْ يا كَرِيمُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب