الباحث القرآني

ولَمّا وصَلَ الأمْرُ إلى حَدٍّ مِنَ الوُضُوحِ لا يَخْفى عَلى أحَدٍ، تُسُبِّبَ عَنْهُ لَفْتُ الخِطابِ عَنْهم دَلالَةً عَلى الغَضَبِ المُوجِبِ لِلْعِقابِ المُقْتَضِي لِلرَّهَبِ فَقالَ: ﴿أفَلَمْ يَسِيرُوا﴾ [أيْ]: هَؤُلاءِ الَّذِينَ هم أضَلُّ مِنَ الأنْعامِ ﴿فِي الأرْضِ﴾ أيُّ أرْضٍ كانَتْ، سَيْرَ اعْتِبارٍ ﴿فَيَنْظُرُوا﴾ نَظَرَ ادِّكارٍ فِيما سَلَكُوهُ مِن سَلْبِها ونَواحِيها، ونَبَّهَ زِيادَةَ العَظَمَةِ فِيما حَثَّهم عَلى النَّظَرِ فِيهِ بِسَوْقِهِ مَساقَ الِاسْتِفْهامِ تَنْبِيهًا عَلى خُرُوجِهِ عَنْ أمْثالِهِ، ومُبايَنَتِهِ لِأشْكالِهِ، بِقَوْلِهِ: ﴿كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ﴾ أيْ: آخِرُ أمْرٍ ﴿الَّذِينَ﴾ ولَمّا كانُوا لا يَقْدِرُونَ عَلى اسْتِغْراقِ نَظَرِ جَمِيعِ الأرْضِ وآثارِ جَمِيعِ أهْلِها، [نَبَّهَ] بِالجارِّ [عَلى] ما تَيَسَّرَ فَقالَ تَعالى: ﴿مِن قَبْلِهِمْ﴾ أيْ: مَعَ قُرْبِ الزَّمانِ والمَكانِ، لَوْمًا كانُوا مُعْتَمِدِينَ في مُغالَبَةِ الرَّسُولِ ﷺ ومُجادَلَتِهِ بِالباطِلِ في الآياتِ الظّاهِرَةِ عَلى كَثْرَتِهِمْ وقُوَّتِهِمْ وقِلَّةِ أصْحابِهِ مَعَ ضَعْفِهِمْ، وكانَ قَدْ تَقَدَّمَ الإنْكارُ عَلَيْهِمْ في المُجادَلَةِ لِإدْحاضِ الحَقِّ، وعَظِيمِ النَّكِيرِ عَلَيْهِمْ بِعَدَمِ النَّظَرِ عَنِ المِسِيرِ في (p-١٢٦)الأرْضِ بِأعْيُنِ الِاعْتِبارِ في الآثارِ، مِنَ المَساكِنِ والدِّيارِ، لِمَن مَضى مِنَ الأشْرارِ، وأثْبَتَ لَهُمُ الأشَدِّيَّةِ وأنَّها لَمْ تُغْنِ عَنْهُمْ، وذِكْرُ فِرْعَوْنَ وما كانَ لَهُ مِنَ المُكْنَةِ بِالمالِ والرِّجالِ، وأنَّهُ أخَذَهُ أخْذَةً صارَتْ مَثَلًا مِنَ الأمْثالِ، وكانَ قَدْ بَقِيَ مِمّا قَدْ يَتَعَلَّلُ بِهِ في المُغالَبَةِ الكَثْرَةِ، ذَكَرَها مَضْمُومَةً إلى الشِّدَّةِ تَأْكِيدًا لِمَضْمُونِ الخَبَرِ في أنَّهُ لا أمْرَ لِأحَدٍ مَعَ أمْرِهِ، فَقالَ مُسْتَأْنِفًا جَوابًا لِمَن يَقُولُ: ما كانَتْ عاقِبَتُهُمْ؟ فَقالَ: ﴿كانُوا أكْثَرَ مِنهُمْ﴾ أيْ: عَدَدًا أضْعافًا مُضاعَفَةً [و] لا سِيَّما قَوْمُ نُوحٍ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: ﴿وأشَدَّ قُوَّةً﴾ في الأبْدانِ كَقَوْمِ هُودٍ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ الَّذِينَ قالُوا كَما يَأْتِي في الَّتِي بَعْدَها ﴿مَن أشَدُّ مِنّا قُوَّةً﴾ [فصلت: ١٥] ﴿وآثارًا في الأرْضِ﴾ بِنَحْتِ البُيُوتِ في الجِبالِ، وحَفْرِ الآبارِ، وإنْباطِ المِياهِ، وبِناءِ المَصانِعِ الجَلِيلَةِ- وغَيْرِ ذَلِكَ مِمّا كانُوا عَلَيْهِ. ولَمّا كانَ [التَّقْدِيرُ]: فَنَظَرُوا فَأهْلَكَهُمُ اللَّهُ، سَبَّبَ عَنْ كَثْرَتِهِمْ وشِدَّتِهِمْ في [ قُوَّتِهِمْ ] قَوْلُهُ نافِيًا صَرِيحًا أوْ يَكُونُ اسْتِفْهامًا (p-١٢٧)إنْكارِيًّا ﴿فَما﴾ أيْ: أيًّ شَيْءٍ ﴿أغْنى عَنْهُمْ﴾ أوْ لَمْ يُغْنِ عَنْهم شَيْئًا مِنَ الغَنِيِّ ﴿ما كانُوا﴾ أيْ: دائِمًا كَما في جِبِلّاتِهِمْ مِن دَواعِيهِ ﴿يَكْسِبُونَ﴾ بِقُوَّةِ أبْدانِهِمْ وعِظَمِ عُقُولِهِمْ واحْتِيالِهِمْ وما رَتَّبُوا مِنَ المَصانِعِ لِنَجاتِهِمْ حِينَ جاءَهم أمْرُنا بَلْ كانُوا كَأمْسِ الذّاهِبِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب