الباحث القرآني
ولَمّا تَقَرَّرَ أنَّهُ سُبْحانَهُ رَبُّنا وحَدَهُ، وأنَّ مُدَّعِي رُبُوبِيَّةِ ما سِواهُ مُعانِدٌ، لِأنَّهُ سُبْحانَهُ مُتَمَيِّزٌ بِأفْعالِهِ الَّتِي لا يُشارِكُهُ فِيها أحَدٌ، دَلَّ عَلى ذَلِكَ بِوَجْهٍ مَرْكُوزٍ في الطَّبائِعِ صِحَّتُهُ، واضِحٌ في العُقُولِ مَعْرِفَتُهُ، كالمُعَلِّلِ لِتَسْمِيَةِ هَذا الإنْكارِ جُحُودًا، فَقالَ دالًّا بِالخافِقِينَ بَعْدَ الدَّلالَةِ بِما نَشَأ عَنْهُما مِنَ المَلَوَيْنِ، وأخَّرَ هَذا لِأنَّهُ مَعَ كَوْنِهِ أجْلى سَبَبَ بِقَرارِيَّةِ الأرْضِ وفَلَكِيَّةِ السَّماءِ لِذاكَ، بِما حَصَلَ فِيهِ مِنَ الِاخْتِلافِ، فَقالَ: ﴿اللَّهُ﴾ أيِ: الَّذِي لَهُ الإحاطَةُ الكامِلَةُ بِكُلِّ شَيْءٍ ﴿الَّذِي جَعَلَ﴾ أيْ: وحْدَهُ ﴿لَكُمُ الأرْضَ﴾ أيْ: مَعَ كَوْنِها فِراشًا مُمَهَّدًا ﴿قَرارًا﴾ مَعَ كَوْنِها في (p-١٠٥)غايَةِ الثِّقَلِ، ولا مُمْسِكَ لَها سِوى قُدْرَتِهِ ﴿والسَّماءَ﴾ عَلى عُلُوِّها وسِعَتِها مَعَ كَوْنِها أفْلاكًا دائِرَةً بِنُجُومٍ طُولَ الزَّمانِ سائِرَةٍ، يَنْشَأُ عَنْها اللَّيْلُ والنَّهارُ والإظْلامُ والإبْصارُ ﴿بِناءً﴾ مِظَلَّةً كالقُبَّةِ مِن غَيْرِ عِمادٍ حامِلٍ، ومِنَ المَعْلُومِ لِكُلِّ ذِي عَقْلٍ أنَّ الأجْسامَ الثَّقِيلَةَ تَقْتَضِي بِطَبْعِها تَراصَّ بَعْضُها عَلى بَعْضٍ، فَلا يَمْنَعُ بَعْضُها مِنَ السُّقُوطِ عَلى بَعْضٍ إلّا بِقُوَّةٍ وقَسْرٍ، فالآيَةُ مِنَ الِاحْتِباكِ: ذِكْرُ القَرارِ أوَّلًا دَلِيلًا عَلى الدَّوَرانِ ثانِيًا، والبِناءُ ثانِيًا دَلِيلًا عَلى الفِراشِ أوَّلًا.
ولَمّا ذَكَرَ المَسْكَنَ ذَكَرَ السّاكِنَ دالًّا عَلى أنَّهُ الفاعِلُ في الكُلِّ بِاخْتِيارِهِ وتَمامِ قُدْرَتِهِ بِتَصْوِيرِهِ الإنْسانَ بِصُورَةٍ لا يُشْبِهُها صُورَةُ شَيْءٍ مِنَ الحَيَواناتِ، وفاوَتَ بَيْنَ أفْرادِهِ في هَيْئَةِ تِلْكَ الصُّورَةِ عَلى أنْحاءٍ لا تَكادُ تَنْضَبِطُ في نَفْسِها، ولا تُشْبِهُ واحِدَةٌ مِنها الأُخْرى، ولا في الخافِقِينَ شَيْءٌ يُشْبِهُها مُحالُ تَصْوِيرِها عَلَيْهِ فَقالَ: ﴿وصَوَّرَكُمْ﴾ والتَّصْوِيرُ عَلى غَيْرِ نِظامٍ واحِدٍ لا يَكُونُ إلّا بِقُدْرَةِ قادِرٍ تامِّ القُدْرَةِ مُخْتارٍ لا كَما يَقُولُ أهْلُ الطَّبائِعِ.
﴿فَأحْسَنَ صُوَرَكُمْ﴾ عَلى أشْكالٍ وأحْوالٍ مَعَ أنَّها أحْسَنُ الصُّوَرِ لَيْسَ في الوُجُودِ ما يُشْبِهُها، ولَيْسَ فِيها صُورَةٌ تُشْبِهُ الأُخْرى لِتُسْنِدُوا انْطِباعَ تَصْوِيرِها إلَيْهِ، فَثَبَتَ قَطْعًا أنَّهُ [هُوَ] المُصَوِّرُ سُبْحانَهُ عَلى غَيْرِ مِثالٍ كَما أنَّهُ الَّذِي أبْدَعَ المَوْجُودَ كُلَّهُ كَذَلِكَ.
ولَمّا ذَكَرَ المَسْكَنَ والسّاكِنَ، ذَكَرَ ما يَحْتاجُ إلَيْهِ في مُدَّةِ السَّكَنِ (p-١٠٦)فَقالَ: ﴿ورَزَقَكم مِنَ الطَّيِّباتِ﴾ الشَّهِيَّةُ المُلائِمَةُ لِلطَّبائِعِ النّافِعَةِ عَلى وجْهٍ لا احْتِياجَ مَعَهُ بِوَجْهٍ، فَلا دَلِيلَ أدَلُّ عَلى تَمامِ [العِلْمِ] وشُمُولِ القُدْرَةِ ووُجُودِ الِاخْتِيارِ مِن هَذا التَّدْبِيرِ في حِفْظِ المَسْكَنِ والسَّقْفِ وتَدْبِيرِ ما بِهِ البَقاءُ عَلى وجْهٍ يَكْفِي السّاكِنَ مِن جَمِيعِ الوُجُوهِ عَلى مَرِّ السِّنِينَ وتَعاقُبِ الأزْمانِ، وبَثٍّ مِنَ السّاكِنِ - مَعَ أنَّهُ قِطْعَةٌ يَسِيرَةٌ جِدًّا مِن أدِيمِ الأرْضِ - أنْسالًا شَعَّبَهم شُعَبًا فَرَّعَها إلى فُرُوعٍ لا تَسَعُها الأرْضُ، فَدَبَّرَ بِحِكْمَتِهِ وسِعَةِ عِلْمِهِ وقُدْرَتِهِ تَدْبِيرًا وسِعَ لَهم بِهِ الأرْضَ، وعَمَّهم بِهِ الرِّزْقُ، كَما رَوى الإمامُ [أحْمَدُ ] في كِتابِ ”الزُّهْدِ“ عَنِ الحَسَنِ أنَّهُ قالَ: ”لَمّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وذُرِّيَّتَهُ قالَتِ المَلائِكَةُ عَلَيْهِمُ السَّلامُ: إنَّ الأرْضَ لا تَسَعُهُمْ، قالَ: فَإنِّي جاعِلٌ مَوْتًا، قالُوا: إذًا لا يَهْنَأُهُمُ العَيْشُ، قالَ: فَإنِّي جاعِلٌ أمَلًا“.
ولَمّا دَلَّ هَذا قَطْعًا عَلى التَّفَرُّدِ، قالَ عَلى وجْهِ الإنْتاجِ: ﴿ذَلِكُمُ﴾ أيِ: الرَّفِيعُ الدَّرَجاتِ ﴿اللَّهُ﴾ أيِ: المالِكُ لِجَمِيعِ المُلْكِ، [ودَلَّهم عَلى ما مَضى بِتَرْبِيَتِهِمْ وما فِيها مِن بَدِيعِ الصَّنائِعِ فَقالَ]: ﴿رَبُّكُمْ﴾ [أيْ]: لا غَيْرُهُ، ولَمّا أفادَ هَذا الدَّلِيلُ تَرْبِيَةً لا مِثْلَ لَها، دالَّةً عَلى إحاطَةِ العِلْمِ وتَمامِ القُدْرَةِ فَإنَّها عَلى وجْهٍ لا حاجَةَ مَعَهُ مَعَ حُسْنِهِ وثَباتِهِ (p-١٠٧)تَسَبَّبَ عَنْهُ ولا بُدَّ قَوْلُهُ: ﴿فَتَبارَكَ﴾ أيْ: ثَبَتَ ثَباتًا عَظِيمًا مَعَ اليُمْنِ والخَيْرِ وحُسْنِ المَدَدِ والفَيْضِ ﴿اللَّهُ﴾ [أيِ]: المُخْتَصِّ بِالكَمالِ، [ورَقّى الخِطابُ وعَظُمَ إيضاحًا لِلدَّلالَةِ فَقالَ]: ﴿رَبُّ العالَمِينَ﴾ كُلُّهم أنْتُمْ وغَيْرُكُمْ، ثُمَّ دَلَّ عَلى ما أفادَهُ الدَّلِيلُ مُعَلِّلًا بِقَوْلِهِ:
{"ayah":"ٱللَّهُ ٱلَّذِی جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ قَرَارࣰا وَٱلسَّمَاۤءَ بِنَاۤءࣰ وَصَوَّرَكُمۡ فَأَحۡسَنَ صُوَرَكُمۡ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّیِّبَـٰتِۚ ذَ ٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡۖ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق