الباحث القرآني

(p-٦٤)ولَمّا كانَ حاصِلُ ما مَضى مِن حالِهِمْ في أمْرِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ أنَّهُ جاءَهم بِالبَيِّناتِ فَشَكُّوا فِيها، وخَتَمَ بِتَحْذِيرِهِمْ [مِن] عَذابِ الدُّنْيا والآخِرَةِ، عَطَفَ عَلَيْهِ شَكَّ آبائِهِمْ في مِثْلِ ذَلِكَ، فَقالَ مُبَيِّنًا أنَّهم مُسْتَحِقُّونَ لِما حَذَّرَ مِنهُ العَذابَ لِيَشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ في إمْهالِهِ إيّاهم ويَحْذَرُوا نِقْمَتَهُ إنْ تَمادَوْا وأكَّدَ لِأجْلِ إنْكارِهِمْ أنْ يَكُونُوا أتْوَ بِبَيِّنَةٍ، وافْتُتِحَ بِحَرْفِ التَّوَقُّعِ لِأنَّ حالَهُمُ اقْتَضَتْ تَوَقُّعَ ذَلِكَ ودَعَتْ إلَيْهِ: ﴿ولَقَدْ جاءَكُمْ﴾ أيْ: جاءَ آباءَكم يا مَعْشَرَ القِبْطِ، ولَكِنَّهُ عَبَّرَ بِذَلِكَ دَلالَةً عَلى أنَّهم عَلى مَذْهَبِ [الآباءِ] كَما جَرَتْ بِهِ العادَةُ مِنَ التَّقْلِيدِ، ومِن أنَّهم عَلى طَبائِعِهِمْ لا سِيَّما إنْ كانُوا [لَمْ] يُفارِقُوا مَساكِنَهم. ﴿يُوسُفُ﴾ أيْ: نَبِيُّ اللَّهِ ابْنُ نَبِيِّ اللَّهِ يَعْقُوبَ ابْنِ نَبِيِّ اللَّهِ إسْحاقَ بْنِ خَلِيلِ اللَّهِ إبْراهِيمَ عَلَيْهِمْ وعَلى نَبِيِّنا أفْضَلُ الصَّلاةِ وأتَمُّ التَّسْلِيمِ. ولَمّا لَمْ يَكُنْ مَجِيئُهُ مُسْتَغْرِقًا لِما تَقَدَّمَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ مِنَ الزَّمانِ أدْخَلَ الجارَّ فَقالَ: ﴿مِن قَبْلُ﴾ أيْ: [قَبْلَ] زَمَنِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿بِالبَيِّناتِ﴾ أيِ: الآياتِ الظّاهِراتِ ولا سِيَّما في أمْرِ يَوْمِ التَّنادِ. ﴿فَما زِلْتُمْ﴾ بِكَسْرِ الزّايِ، مِن زالَ يُزالُ، أيْ: ما بَرِحْتُمْ أنْتُمْ تَبَعًا لِآبائِكم. ﴿فِي شَكٍّ﴾ أيْ: مُحِيطٌ بِكم لَمْ تَصِلُوا إلى رُتْبَةِ الظَّنِّ ﴿مِمّا جاءَكم بِهِ﴾ مِنَ التَّوْحِيدِ وما يَتْبُعُهُ، ودَلَّ عَلى تَمادِي شَكِّهِمْ بِقَوْلِهِ: ﴿حَتّى إذا هَلَكَ﴾ وكَأنَّهُ عَبَّرَ بِالهَلاكِ إيهامًا لَهم أنَّهُ غَيْرُ مُعَظَّمٍ لَهُ، وأنَّهُ إنَّما يَقُولُ ما يَشْعُرُ بِالتَّعْظِيمِ لِأجْلِ مَحْضِ النَّصِيحَةِ والنَّظَرِ في العاقِبَةِ. ﴿قُلْتُمْ﴾ أيْ: (p-٦٥)مِن عِنْدِ أنْفُسِكم بِغَيْرِ دَلِيلٍ كَراهَةً لِما جاءَ بِهِ وتَضَجُّرًا مِنهُ جَهْلًا بِاللَّهِ تَعالى: ﴿لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ﴾ أيِ: الَّذِي لَهُ صِفاتُ الكَمالِ. ولَمّا كانَ مُرادُهُمُ اسْتِغْراقَ النَّفْيِ حَتّى لا يَقَعَ البَعْثُ في زَمَنٍ مِنَ الأزْمانِ وإنَّ قَلَّ، أدْخَلَ الجارَّ فَقالَ: ﴿مِن بَعْدِهِ﴾ أيْ: يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلامُ ﴿رَسُولا﴾ وهَذا لَيْسَ إقْرارًا مِنهم بِرِسالَتِهِ، بَلْ هو ضَمٌّ مِنهم إلى الشَّكِّ في رِسالَتِهِ التَّكْذِيبُ بِرِسالَةٍ مِن بَعْدِهِ، والحَجَرُ عَلى المَلِكِ الأعْظَمِ في عِبادِهِ وبِلادِهِ والإخْبارِ عَنْهُ بِما يُنافِي كَمالَهُ. ولَمّا كانَ كَأنَّهُ قِيلَ: هَذا ضَلالٌ عَظِيمٌ هَلْ ضَلَّ أحَدٌ مِثْلَهُ؟ أُجِيبَ بِقَوْلِهِ: ﴿كَذَلِكَ﴾ أيْ: مِثْلَ هَذا الضَّلالِ العَظِيمِ الشَّأْنِ ﴿يُضِلُّ﴾ وأبْرَزَ الِاسْمَ ولَمْ يُضْمِرْهُ لِئَلّا يَخُصُّ الإضْلالَ بِالحَيْثِيَّةِ الماضِيَةِ، وجَعَلَهُ الجَلالَةَ تَعْظِيمًا لِلْأمْرِ لِصَلاحِيَّةِ الحالِ لِذَلِكَ، وكَذا ما يَأْتِي بَعْدَهُ ﴿اللَّهُ﴾ أيْ: بِما لَهُ مِن صِفاتِ القَهْرِ. ﴿مَن هو مُسْرِفٌ﴾ أيْ: مُتَعالٍ في الأُمُورِ خارِجٌ عَنِ الحُدُودِ طالِبٌ لِلِارْتِفاعِ عَنْ طَوْرِ البَشَرِ. ولَمّا كانَ السِّياقُ لِلشَّكِّ في الرِّسالَةِ والقَوْلِ بِالظَّنِّ [الَّذِي يَلْزَمُ مِنهُ اتِّهامُ القادِرِ سُبْحانَهُ بِالعَجْزِ أوْ مُجانَبَةُ الحِكْمَةِ] قالَ: ﴿مُرْتابٌ﴾ (p-٦٦)[أيْ] يَشُكُّ فِيما لا يَقْبَلُ الشَّكَّ، ويَتَّهِمُ غَيْرَهُ بِما لا حَظَّ لِلتُّهْمَةِ فِيهِ، أيْ: دَيْدَنُهُ التَّذَبْذُبُ في الأُمُورِ الدِّينِيَّةِ، فَلا يَكادُ يُحَقِّقُ أمْرًا مِنَ الأُمُورِ، ولا إسْرافَ ولا ارْتِيابَ أعْظَمَ مِن حالِ المُشْرِكِ فَإنَّهُ مَنَعَ الحَقَّ أهْلَهُ وبَذَلَهُ لِمَن لا يَسْتَحِقُّهُ بِوَجْهٍ، وهَذِهِ الآيَةُ دَلِيلٌ عَلى أنَّ القِبْطَ طُولَ الدَّهْرِ عَلى ما نُشاهِدُهُ مِن أنَّهُ لا ثِقَةَ بِدُخُولِهِمْ في الدِّينِ الحَقِّ، ولا ثَباتَ لَهم في الأعْمالِ الصّالِحَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب