الباحث القرآني

ولَمّا كانَ - سُبْحانَهُ وتَعالى - قَدْ أمَرَ فِيهِمْ عَلى تَقْدِيرِ تَوَلِّيهِمْ بِما أمَرَ؛ اسْتَثْنى مِنهُ؛ فَقالَ: ﴿إلا الَّذِينَ يَصِلُونَ﴾؛ فِرارًا مِنكُمْ؛ وهم مِنَ الكُفّارِ عِنْدَ الجُمْهُورِ؛ ﴿إلى قَوْمٍ بَيْنَكم وبَيْنَهم مِيثاقٌ﴾؛ أيْ: عَهْدٌ وثِيقٌ بِألّا تُقاتِلُوهُمْ؛ ولا تُقاتِلُوا مَن لَجَأ إلَيْهِمْ؛ أوْ دَخَلَ فِيما دَخَلُوا فِيهِ؛ فَكُفُّوا حِينَئِذٍ عَنْ أخْذِهِمْ؛ وقَتْلِهِمْ؛ ﴿أوْ﴾؛ الَّذِينَ ﴿جاءُوكُمْ﴾؛ حالَ كَوْنِهِمْ ﴿حَصِرَتْ﴾؛ أيْ: ضاقَتْ؛ وهابَتْ؛ وأحْجَمَتْ ﴿صُدُورُهم أنْ﴾؛ أيْ: عَنْ أنْ؛ ﴿يُقاتِلُوكُمْ﴾؛ أيْ: لِأجْلِ دِينِهِمْ؛ وقَوْمِهِمْ؛ ﴿أوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ﴾؛ أيْ: لِأجْلِكُمْ؛ فِرارًا أنْ يَكُفُّوا عَنْ قِتالِكُمْ؛ وقِتالِ قَوْمِهِمْ؛ فَلا تَأْخُذُوهُمْ؛ ولا تُقاتِلُوهُمْ؛ لِأنَّهم كالمُسالِمِينَ بِتَرْكِ القِتالِ؛ ولَعَلَّهُ عَبَّرَ بِالماضِي في ”جاءَ“؛ (p-٣٥٨)إشارَةً إلى أنَّ شَرْطَ مُساواتِهِمْ لِلْواصِلِينَ إلى المُعاهِدِينَ عَدَمُ التَّكَرُّرِ؛ فَإنْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنهم فَهُمُ الآخَرُونَ الآتِي حُكْمُهم. ولَمّا كانَ التَّقْدِيرُ: ”فَلَوْ شاءَ اللَّهُ لِجَعَلَهم مَعَ قَوْمِهِمْ إلْبًا واحِدًا عَلَيْكُمْ“؛ عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: ﴿ولَوْ﴾؛ أيْ: يَكُونُ المَعْنى: والحالُ أنَّهُ لَوْ ﴿شاءَ اللَّهُ﴾؛ أيْ: وهو المُتَّصِفُ بِكُلِّ كَمالٍ؛ ﴿لَسَلَّطَهُمْ﴾؛ أيْ: هَؤُلاءِ الواصِلِينَ؛ والجائِينَ عَلى تِلْكَ الحالِ مِنَ الكُفّارِ؛ ﴿عَلَيْكُمْ﴾؛ يُنَوِّعُ مِن أنْواعِ التَّسْلِيطِ؛ تَسْلِيطًا جارِيًا عَلى الأسْبابِ؛ ومُقْتَضى العَوائِدِ؛ لِأنَّ بِهِمْ قُوَّةً عَلى قِتالِكُمْ؛ ﴿فَلَقاتَلُوكُمْ﴾؛ أيْ: فَتَسَبَّبَ عَنْ هَذا التَّسْلِيطِ أنَّهم قاتَلُوكم مُنْفَرِدِينَ؛ أوْ مَعَ غَيْرِهِمْ مِن أعْدائِكُمْ؛ واللّامُ فِيهِ جَوابُ ”لَوْ“؛ عَلى التَّكْرِيرِ؛ أوِ البَدَلِ مِن ”سَلَّطَ“. ولَمّا كانَ المُغَيّى عَلى النَّهْيِ عَنْ قِتالِهِمْ حِينَئِذٍ؛ صَرَّحَ بِهِ في قَوْلِهِ: ﴿فَإنِ اعْتَزَلُوكُمْ﴾؛ أيْ: هَؤُلاءِ الَّذِينَ أمَرْتُكم بِالكَفِّ عَنْهم مِنَ المُنافِقِينَ؛ فَكَفُّوا عَنْكُمْ؛ ﴿فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ﴾؛ مُنْفَرِدِينَ؛ ولا مُجْتَمِعِينَ مَعَ غَيْرِهِمْ؛ ﴿وألْقَوْا إلَيْكُمُ السَّلَمَ﴾؛ أيْ: الِانْقِيادَ؛ ﴿فَما جَعَلَ اللَّهُ﴾؛ أيْ: الَّذِي (p-٣٥٩)لا أمْرَ لِأحَدٍ مَعَهُ بِجِهَةٍ مِنَ الجِهاتِ؛ ﴿لَكم عَلَيْهِمْ سَبِيلا﴾؛ أيْ: إلى شَيْءٍ مِن أخْذِهِمْ؛ ولا قَتْلِهِمْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب