الباحث القرآني
ولَمّا كانَ ذَلِكَ مُوجِبًا لِلرَّغْبَةِ في طاعَةِ النَّبِيِّ ﷺ لا سِيَّما في الجِهادِ؛ ولِلرَّغْبَةِ فِيمَن كانَ بِصِفَةِ المُؤْمِنِينَ مِنَ الإقْبالِ عَلى الطّاعَةِ؛ والإعْراضِ عَنْ كُلِّ مَن كانَ بِصِفَةِ المُنافِقِينَ؛ والإدامَةِ لِطَرْدِهِمْ؛ وإبْعادِهِمْ؛ والغِلْظَةِ عَلَيْهِمْ؛ والحَذَرِ مِن مُجالَسَتِهِمْ؛ حَتّى يَتَبَيَّنَ إخْلاصُهُمْ؛ وكانَ بَيْنَ كَثِيرٍ مِن خُلَّصِ الصَّحابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ (تَعالى) عَنْهم - وبَيْنَهم قَراباتٌ تُوجِبُ العَطْفَ المُقْتَضِيَ لِلشَّفَقَةِ عَلَيْهِمُ؛ الحامِلَةِ لِلشَّفاعَةِ فِيهِمْ؛ إمّا بِالإذْنِ في التَّخَلُّفِ عَنِ الجِهادِ؛ لِما يُزَخْرِفُونَ القَوْلَ مِنَ الأعْذارِ الكاذِبَةِ؛ أوْ في العَفْوِ عَنْهم عِنْدَ العُثُورِ عَلى نَقائِصِهِمْ؛ أوْ في إعانَتِهِمْ؛ أوْ إعانَةِ غَيْرِهِمْ؛ بِالمالِ؛ والنَّفْسِ؛ في أمْرِ الجِهادِ؛ عِنْدَ ادِّعاءِ أنَّ المانِعَ لَهُ عَنْهُ العَجْزُ؛ وفي غَيْرِ ذَلِكَ؛ وكانَتِ التَّوْبَةُ مَعْرُوضَةً لَهُمْ؛ ولِغَيْرِهِمْ؛ وكانَ البِرُّ ما سَكَنَ إلَيْهِ القَلْبُ؛ والإثْمُ ما حاكَ في الصَّدْرِ؛ والإنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةً؛ وكانَتِ البَواطِنُ لا يَعْلَمُها إلّا اللَّهُ - سُبْحانَهُ وتَعالى -؛ وكانَ الإنْسانُ رُبَّما أظْهَرَ شَرًّا في صُورَةِ خَيْرٍ؛ رَغَّبَ - سُبْحانَهُ وتَعالى - في البِرِّ؛ وحَذَّرَ مِنَ الإثْمِ؛ بِقَوْلِهِ - مُعَمِّمًا؛ مُسْتَأْنِفًا في جَوابِ مَن كَأنَّهُ قالَ: (p-٣٤٨)أما تُقْبَلُ فِيهِمْ شَفاعَةٌ؟ -: ﴿مَن يَشْفَعْ﴾؛ أيْ: يُوجِدْ؛ ويُجَدِّدْ؛ كائِنًا مَن كانَ؛ في أيِّ وقْتٍ كانَ؛ ﴿شَفاعَةً حَسَنَةً﴾؛ أيْ: يُقِيمُ بِها عُذْرَ المُسْلِمِ؛ في كُلِّ ما يَجُوزُ في الدِّينِ؛ لِيُوَصِّلَ إلَيْهِ خَيْرًا؛ أوْ يَدْفَعَ عَنْهُ ضَيْرًا؛ ﴿يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنها﴾؛ بِأجْرِ تَسَبُّبِهِ في الخَيْرِ؛ ﴿ومَن يَشْفَعْ﴾؛ كائِنًا مَن كانَ؛ في أيِّ زَمانٍ كانَ؛ ﴿شَفاعَةً سَيِّئَةً﴾؛ أيْ: بِالذَّبِّ عَنْ مُجْرِمٍ في أمْرٍ لا يَجُوزُ؛ والتَّسَبُّبِ في إعْلائِهِ؛ وجَبْرِ دائِهِ؛ وعَظَّمَ الشَّفاعَةَ السَّيِّئَةَ لِأنَّ دَرْءَ المَفاسِدِ أوْلى مِن جَلْبِ المَصالِحِ؛ فَقالَ - مُعَبِّرًا بِما يُفْهِمُ النَّصِيبَ؛ ويُفْهِمُ أكْثَرَ مِنهُ؛ تَغْلِيظًا في الزَّجْرِ -: ﴿يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنها﴾؛ وهَذا بَيانٌ لِأنَّ الشَّفاعَةَ فِيهِمْ سَيِّئَةٌ؛ إنْ تَحَقَّقَ إجْرامُهُمْ؛ حَسَنَةٌ؛ إنْ عُلِمَتْ تَوْبَتُهُمْ؛ وإسْلامُهم.
ولَمّا كانَ كُلٌّ مِن تَحْرِيضِ المُؤْمِنِينَ عَلى الجِهادِ؛ والشَّفاعَةِ الحَسَنَةِ؛ مِن وادِي: «”مَن سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً؛ كانَ لَهُ أجْرُها وأجْرُ مَن عَمِلَ بِها إلى يَوْمِ القِيامَةِ“؛» حَسُنَ اقْتِرانُهُما جِدًّا؛ والنَّصِيبُ قَدْرٌ مُتَمَيِّزٌ مِنَ الشَّيْءِ؛ يَخُصُّ مَن هو لَهُ؛ وكَذا الكِفْلُ؛ إلّا أنَّ الِاسْتِعْمالَ يَدُلُّ عَلى أنَّهُ أعْظَمُ مِنَ النَّصِيبِ؛ ويُؤَيِّدُهُ ما قالُوا؛ مِن أنَّهُ قَدْ يُرادُ بِهِ الضِّعْفُ؛ فَكَأنَّهُ نَصِيبٌ مُتَكَفِّلٌ بِما هو لَهُ (p-٣٤٩)مِن إسْعادٍ؛ وإبْعادٍ؛ قالَ أهْلُ اللُّغَةِ: ”النَّصِيبُ“: الحَظُّ؛ و”الكِفْلُ“؛ بِالكَسْرِ: الضِّعْفُ؛ والنَّصِيبُ؛ والحَظُّ؛ ومادَّةُ ”نَصَبَ“؛ تَدُورُ عَلى العَلَمِ المَنصُوبِ؛ ويَلْزَمُهُ الرَّفْعُ؛ والوَضْعُ؛ والتَّمْيِيزُ؛ والأصْلُ؛ والمَرْجِعُ؛ والتَّعَبُ؛ فَيَلْزَمُهُ الوَجَعُ؛ ومِن لَوازِمِهِ أيْضًا الحَدُّ؛ والغايَةُ؛ والجِدُّ؛ والوُقُوفُ؛ ومادَّةُ ”كَفَلَ“؛ تَدُورُ عَلى ”الكِفَلُ“؛ بِالتَّحْرِيكِ؛ وهو العَجْزُ؛ أوْ رِدْفُهُ؛ ويَلْزَمُهُ الصَّحابَةُ؛ واللِّينُ؛ والرِّفْقُ؛ والتَّأخُّرُ؛ وقالَ الإمامُ: ”الكِفْلُ“؛ هو النَّصِيبُ الَّذِي عَلَيْهِ يَعْتَمِدُ الإنْسانُ في تَحْصِيلِ المَصالِحِ لِنَفْسِهِ؛ ودَفْعِ المَفاسِدِ عَنْ نَفْسِهِ؛ والمَقْصُودُ هُنا حُصُولُ ضِدِّ ذَلِكَ؛ كَقَوْلِهِ: ﴿فَبَشِّرْهم بِعَذابٍ ألِيمٍ﴾ [الإنشقاق: ٢٤]؛ والغَرَضُ مِنهُ التَّنْبِيهُ عَلى أنَّ الشَّفاعَةَ المُؤَدِّيَةَ إلى سُقُوطِ الحَقِّ؛ وقُوَّةِ الباطِلِ تَكُونُ عَظِيمَةَ العِقابِ عِنْدَ اللَّهِ - سُبْحانَهُ وتَعالى -؛ انْتَهى.
وما غُلِّظَ هَذا الزَّجْرُ إلّا لِلْعِلْمِ بِأنَّ أكْثَرَ النُّفُوسِ مَيّالَةٌ بِأصْحابِها لِلشَّفاعَةِ بِالباطِلِ؛ ولَمّا كانَ الألْيَقُ بِالرَّغْبَةِ ألّا يُقْطَعَ في مُوجِبِها؛ وإنْ عَظُمَ بِالحَقِّيَةِ؛ لِيَكُونَ ذَلِكَ زاجِرًا عَنْ مُقارَفَةِ شَيْءٍ مِنها؛ وإنْ صَغُرَ؛ عَبَّرَ في الحَسَنَةِ بِالنَّصِيبِ؛ وفي السَّيِّئَةِ بِالكِفْلِ؛ ويُؤَيِّدُ إرادَةَ هَذا أنَّهُ (p-٣٥٠)(تَعالى) لَمّا ذَكَرَ ما يُوجِبُ الجَنَّةَ مِنَ الإيمانِ؛ والتَّقْوى؛ وكانَ في سِياقِ الوَعْظِ لِأهْلِ الكِتابِ؛ الَّذِينَ هم عَلى شَرْعٍ أصْلُهُ حَقٌّ؛ بِتَشْرِيعِ رَسُولٍ مِن عِنْدِ اللَّهِ؛ فَتَرْكُهم لِذَلِكَ بَعِيدٌ؛ يَحْتاجُ إلى زِيادَةِ تَرْغِيبٍ؛ عَبَّرَ بِالكِفْلِ؛ فَقالَ (تَعالى): ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكم كِفْلَيْنِ مِن رَحْمَتِهِ﴾ [الحديد: ٢٨]؛ إلى آخِرِها.
ولَمّا كانَ النَّصِيبُ مُبْهَمًا بِالنِّسْبَةِ إلى عِلْمِنا؛ لِتَفاوُتِهِ بِالنِّسْبَةِ إلى قُصُورِ الشّافِعِينَ؛ وإقْدامِهِمْ عَلى الشَّفاعَةِ عَلى عِلْمٍ؛ أوْ جَهْلٍ؛ وغَيْرِ ذَلِكَ مِمّا لا يُمْكِنُ الإحاطَةُ بِهِ؛ إلّا اللَّهُ - سُبْحانَهُ وتَعالى -؛ عِلْمًا؛ وقُدْرَةً؛ قالَ (تَعالى) - مُرَغِّبًا؛ ومُرَهِّبًا -: ﴿وكانَ اللَّهُ﴾؛ أيْ: ذُو الجَلالِ والإكْرامِ؛ ﴿عَلى كُلِّ شَيْءٍ﴾؛ مِنَ الشّافِعِينَ؛ وغَيْرِهِمْ؛ وجَزاءِ الشَّفاعَةِ؛ ﴿مُقِيتًا﴾؛ أيْ: حَفِيظًا؛ وشَهِيدًا؛ وقَدِيرًا عَلى إعْطاءِ ما يَقُوتُ؛ مِن أخْلاقِ النُّفُوسِ؛ وأحْوالِ القُلُوبِ؛ وأرْزاقِ الأبْدانِ؛ وجَمِيعِ ما بِهِ القِوامُ؛ جَزاءً وابْتِداءً؛ مِن جَمِيعِ الجِهاتِ؛ وعَلى تَقْدِيرِ ما يَسْتَحِقُّ كُلُّ أحَدٍ مِنَ الجَزاءِ عَلى الشَّفاعَةِ؛ وكُلِّ خَيْرٍ؛ وشَرٍّ.
{"ayah":"مَّن یَشۡفَعۡ شَفَـٰعَةً حَسَنَةࣰ یَكُن لَّهُۥ نَصِیبࣱ مِّنۡهَاۖ وَمَن یَشۡفَعۡ شَفَـٰعَةࣰ سَیِّئَةࣰ یَكُن لَّهُۥ كِفۡلࣱ مِّنۡهَاۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ مُّقِیتࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











