الباحث القرآني

﴿أمْ﴾؛ أيْ: لَيْسَ لَهم نَصِيبٌ ما مِنَ المُلْكِ؛ بَلْ ذُلُّهم لازِمٌ؛ وصَغارُهم أبَدًا كائِنٌ؛ دائِمٌ؛ فَهم ﴿يَحْسُدُونَ النّاسَ﴾؛ أيْ: مُحَمَّدًا ﷺ الَّذِي جَمَعَ فَضائِلَ النّاسِ كُلِّهِمْ؛ مِنَ الأوَّلِينَ والآخِرِينَ؛ وزادَ عَلَيْهِمْ ما شاءَ اللَّهُ؛ أوِ العَرَبَ الَّذِينَ لا ناسَ (p-٣٠٣)الآنَ غَيْرُهُمْ؛ لِأنّا فَضَّلْناهم عَلى العالَمِينَ - بِأنْ يَتَمَنَّوْا دَوامَ ذُلِّهِمْ؛ كَما دامَ لَهم هُمْ؛ ودَلَّ عَلى نِهايَةِ حَسَدِهِمْ بِأداةِ الِاسْتِعْلاءِ؛ في قَوْلِهِ: ﴿عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ﴾؛ أيْ: بِما لَهُ مِن صِفاتِ الكَمالِ؛ ﴿مِن فَضْلِهِ﴾؛ حَسَدُوهم لِما رَأوْا مِن إقْبالِ جَدِّهِمْ؛ وظُهُورِ سَعْدِهِمْ؛ وأنَّهم سادَةُ النّاسِ؛ وقادَةُ أهْلِ النَّدى والبَأْسِ: ؎إنَّ العَرانِينَ تَلْقاها مُحَسَّدَةً ∗∗∗ ولَنْ تَرى لِلِئامِ النّاسِ حُسّادا وقَدْ آتاهُمُ اللَّهُ - سُبْحانَهُ وتَعالى - جَمِيعَ أنْواعِ المُلْكِ؛ فَإنَّهُ عَلى ثَلاثَةِ أقْسامٍ: مُلْكٌ عَلى الظَّواهِرِ والبَواطِنِ مَعًا؛ وهو لِلْأنْبِياءِ - عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ - بِما لَهم مِن غايَةِ الجُودِ؛ والكَرَمِ؛ والرَّحْمَةِ؛ والشَّفَقَةِ؛ والشَّفاعَةِ؛ والبِرِّ؛ واللُّطْفِ؛ الَّتِي كُلٌّ مِنها سَبَبٌ لِلِانْقِيادِ؛ وذَلِكَ مَعَ ما لَهم بِاللَّهِ - سُبْحانَهُ وتَعالى - مِن تَمامِ الوَصْلَةِ؛ ومُلْكٌ عَلى الظَّواهِرِ فَقَطْ؛ وهو مُلْكُ المُلُوكِ؛ ومُلْكٌ عَلى البَواطِنِ فَقَطْ؛ وهو مُلْكُ العُلَماءِ. ولَمّا ذَمَّهم - سُبْحانَهُ وتَعالى - أوَّلًا بِالجَهْلِ؛ ومَدْحِ النَّفْسِ؛ تَشَبُّعًا بِما لَمْ يُعْطُوا؛ وذَلِكَ سَبَبٌ لِجَمِيعِ النَّقائِصِ؛ وثانِيًا بِأعْظَمَ مِنهُ: مَنعِ الحَقِّ مِن أهْلِهِ بُخْلًا؛ وثالِثًا بِأعْظَمَ مِنهُما: تَمَنِّي ألّا يَصِلَ إلى أحَدٍ نِعْمَةٌ؛ وإنْ كانَتْ لا تَنْقُصُهُمْ؛ فَحازُوا بِذَلِكَ أعْلى خِلالِ الذَّمِّ؛ وكانَتِ (p-٣٠٤)المَساوِي تَضَعُ؛ والمَحاسِنُ تَرْفَعُ؛ تَسَبَّبَ عَنْ هَذا تَوَقُّعُ السّامِعِ لِإعْلاءِ العَرَبِ؛ وإدامَةِ ذُلِّ اليَهُودِ؛ ومَوْتِهِمْ بِحَسَدِهِمْ؛ فَقالَ: ﴿فَقَدْ﴾؛ أيْ: فَتَسَبَّبَ عَنْ هَذا؛ وتَعَقَّبَهُ أنّا آتَيْناهم - هَكَذا كانَ الأصْلُ -؛ ولَكِنَّهُ أظْهَرَ لِلتَّنْبِيهِ عَلى التَّوْصِيفِ الَّذِي شارَكُوهم بِهِ في اسْتِحْقاقِ الفَضائِلِ؛ فَقالَ: ﴿آتَيْنا﴾؛ أيْ: بِما لَنا مِنَ العَظَمَةِ؛ ﴿آلَ إبْراهِيمَ﴾؛ أيْ: الَّذِي أعْلَمْناكم في كِتابِكم أنّا أقْسَمْنا لَهُ أنّا نُعِزُّ ذُرِّيَّتَهُ؛ ونَهْدِيهِمْ؛ ونَجْعَلُ ابْنَهُ إسْماعِيلَ حالًّا عَلى جَمِيعِ حُدُودِ إخْوَتِهِ؛ ويَدَهُ في جَمِيعِ النّاسِ؛ ويَدَهُ عَلى كُلِّ أحَدٍ؛ ويَدَ كُلٍّ بِهِ؛ ﴿الكِتابَ﴾؛ أيْ: الَّذِي لا كِتابَ إلّا هُوَ؛ لِما لَهُ مِنَ الحِفْظِ والفَضْلِ؛ بِالإعْجازِ والفَصْلِ؛ ﴿والحِكْمَةَ﴾؛ أيْ: النُّبُوَّةَ الَّتِي ثَمَرَتُها العَمَلُ المُتْقَنُ بِالعِلْمِ المُحَرَّرِ المُحْكَمِ؛ ﴿وآتَيْناهُمْ﴾؛ مَعَ ذَلِكَ؛ ﴿مُلْكًا عَظِيمًا﴾؛ أيْ: ضَخْمًا؛ واسِعًا؛ باقِيًا إلى أنْ تَقُومَ السّاعَةُ؛
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب