الباحث القرآني
ولَمّا بَكَّتَهم عَلى فِعْلِهِمْ؛ وقَوْلِهِمْ؛ وصَرَّحَ بِلَعْنِهِمْ؛ خَوَّفَهم إظْهارَ ذَلِكَ في الصُّوَرِ المَحْسُوسَةِ؛ فَقالَ - مُقْبِلًا عَلَيْهِمْ إقْبالَ الغَضَبِ -: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ﴾؛ مُنادِيًا لَهم مِن مَحَلِّ البُعْدِ؛ ﴿أُوتُوا الكِتابَ﴾؛ ولَمْ يُسْنِدِ الإيتاءَ إلَيْهِ؛ تَحْقِيرًا لَهُمْ؛ ولَمْ يَكْتَفِ بِنَصِيبٍ مِنهُ؛ لِأنَّهُ لا يَكْفِي في العِلْمِ (p-٢٩٥)بِالمُصادَقَةِ إلّا الجَمِيعُ؛ ﴿آمِنُوا بِما نَـزَّلْنا﴾؛ أيْ: تَدْرِيجًا؛ كَما نَزَّلْنا التَّوْراةَ كَذَلِكَ؛ عَلى ما لَنا مِنَ العَظَمَةِ الَّتِي ظَهَرَتْ في إعْجازِهِ؛ وإخْبارِهِ بِالمُغَيَّباتِ؛ ودَقائِقِ العُلُومِ؛ مِمّا عِنْدَكُمْ؛ وغَيْرِهِ؛ عَلى رَشاقَتِهِ وإيجازِهِ؛ وأعْلَمَ بِعِنادِهِمْ؛ وحَسَدِهِمْ؛ بِقَوْلِهِ: ﴿مُصَدِّقًا لِما مَعَكُمْ﴾؛ مِن حَيْثُ أنَّهم لَهُ مُسْتَحْضِرُونَ؛ وبِهِ في حَدِّ ذاتِهِ مُقِرُّونَ.
ولَمّا أمَرَهُمْ؛ وقَطَعَ حُجَّتَهُمْ؛ حَذَّرَهُمْ؛ فَقالَ - مُخَفِّفًا عَنْهم بِالإشارَةِ بِحَرْفِ الجَرِّ إلى أنَّهُ مَتى وقَعَ مِنهم إيمانٌ؛ في زَمَنٍ مِمّا قَبْلَ الطَّمْسِ؛ أخَّرَهُ عَنْهم -: ﴿مِن قَبْلِ أنْ نَطْمِسَ﴾؛ أيْ: نَمْحُوَ؛ ﴿وُجُوهًا﴾؛ فَإنَّ الطَّمْسَ في اللُّغَةِ: المَحْوُ؛ وهو يَصْدُقُ بِتَغْيِيرِ بَعْضِ الكَيْفِيّاتِ؛ ثُمَّ سَبَّبَ عَنْ ذَلِكَ قَوْلَهُ: ﴿فَنَرُدَّها﴾؛ فالتَّقْدِيرُ: ”مِن قَبْلِ أنْ نَمْحُوَ أثَرَ وُجُوهٍ؛ بِأنْ نَرُدَّها“؛ ﴿عَلى أدْبارِها﴾؛ أيْ: بِأنْ نَجْعَلَ ما إلى جِهَةِ القُبُلِ مِنَ الرَّأْسِ؛ إلى جِهَةِ الدُّبُرِ؛ وما إلى الدُّبُرِ إلى جِهَةِ القُبُلِ؛ مَعَ إبْقاءِ صُورَةِ الوَجْهِ عَلى ما هي عَلَيْهِ؛ أوْ يَكُونَ المُرادُ بِالرَّدِّ عَلى الدُّبُرِ النَّقْلُ مِن حالٍ إلى ما دُونَها مِن ضِدِّها؛ بِجَعْلِها عَلى حالِ القَفا؛ لَيْسَ فِيها مَعْلَمٌ؛ مِن فَمٍ ولا غَيْرِهِ؛ لِيَكُونَ المَعْنِيُّ بِالطَّمْسِ مَسْحَ ما في الوَجْهِ مِنَ المَعانِي؛ قالَ ابْنُ هِشامٍ: ”نَطْمِسُ“: نَمْسَحُها؛ فَنُسَوِّيها؛ فَلا يُرى فِيها عَيْنٌ؛ ولا أنْفٌ؛ ولا فَمٌ؛ ولا شَيْءٌ مِمّا يُرى في الوَجْهِ؛ وكَذَلِكَ: ﴿فَطَمَسْنا أعْيُنَهُمْ﴾ [القمر: ٣٧]؛ المَطْمُوسُ العَيْنِ: الَّذِي (p-٢٩٦)لَيْسَ بَيْنَ جَفْنَيْهِ شَقٌّ؛ ويُقالُ: ”طَمَسْتُ الكِتابَ؛ والأثَرَ“؛ فَلا يُرى مِنهُ شَيْءٌ؛ ويَكُونُ الوَجْهُ في هَذا التَّقْدِيرِ عَلى حَقِيقَتِهِ؛ ثُمَّ خَوَّفَهم نَوْعًا آخَرَ مِنَ الطَّمْسِ؛ فَقالَ - عاطِفًا عَلى ”نَرُدَّها“ -: ﴿أوْ نَلْعَنَهُمْ﴾؛ أيْ: نُبْعِدَهم جِدًّا عَنْ صُورَةِ البَشَرِ؛ بِأنْ نُقَلِّبَ وُجُوهَهُمْ؛ أوْ جَمِيعَ ذَواتِهِمْ؛ عَلى صُورَةِ القِرَدَةِ؛ ﴿كَما لَعَنّا أصْحابَ السَّبْتِ﴾؛ إذْ قُلْنا لَهُمْ: ”كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ“؛ ويَكُونُ الوَجْهُ في هَذا التَّقْدِيرِ الأخِيرِ عِبارَةً عَنِ الجُمْلَةِ؛ فَهو إذَنْ مِمّا اسْتُعْمِلَ في حَقِيقَتِهِ؛ ومَجازِهِ؛ ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ واحِدَ الوُجَهاءِ؛ فَيَكُونَ عَوْدُ الضَّمِيرِ إلَيْهِ اسْتِخْدامًا؛ ويَكُونَ المُرادُ بِالرَّدِّ عَلى الأدْبارِ جَعَلَهم أدْنِياءَ صَغَرَةً؛ مِنَ الأسافِلِ؛ واللَّهُ - سُبْحانَهُ وتَعالى - أعْلَمُ.
ولَمّا كانَ ذَلِكَ أمْرًا غَرِيبًا ومَقْدُورًا عَجِيبًا؛ وكانَ التَّقْدِيرُ: ”فَقَدْ كانَ أمْرُ اللَّهِ فِيهِمْ بِذَلِكَ - كَما عَلِمْتُمْ - نافِذًا“؛ أتْبَعَهُ الإعْلامَ بِأنَّ قُدْرَتَهُ شامِلَةٌ؛ وأنَّ وُجُوهَ مَقْدُوراتِهِ لا تَنْحَصِرُ؛ فَقالَ - عاطِفًا عَلى ما قَدَّرْتَهُ -: ﴿وكانَ أمْرُ اللَّهِ﴾؛ أيْ: حُكْمُهُ؛ وقَضاؤُهُ؛ ومُرادُهُ في كُلِّ شَيْءٍ شاءَ مِنهُمْ؛ ومِن غَيْرِهِ؛ بِذَلِكَ وبِغَيْرِهِ؛ لِأنَّ لَهُ العَظَمَةَ الَّتِي لا حَدَّ لَها؛ والكِبْرِياءَ الَّتِي تُعْيِي الأوْصافَ دُونَها؛ ﴿مَفْعُولا﴾؛ أيْ: كائِنًا حَتْمًا؛ لا تَخَلُّفَ (p-٢٩٧)لَهُ أصْلًا؛ فَلا بُدَّ مِن وُقُوعِ أحَدِ الأمْرَيْنِ؛ إنْ لَمْ يُؤْمِنُوا؛ وقَدْ آمَنَ بَعْضُهم فَلَمْ يَصِحَّ أنَّهم لَمْ يُؤْمِنُوا؛ لِأنَّهُ قَدْ وقَعَ مِنهم إيمانٌ.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡكِتَـٰبَ ءَامِنُوا۟ بِمَا نَزَّلۡنَا مُصَدِّقࣰا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبۡلِ أَن نَّطۡمِسَ وُجُوهࣰا فَنَرُدَّهَا عَلَىٰۤ أَدۡبَارِهَاۤ أَوۡ نَلۡعَنَهُمۡ كَمَا لَعَنَّاۤ أَصۡحَـٰبَ ٱلسَّبۡتِۚ وَكَانَ أَمۡرُ ٱللَّهِ مَفۡعُولًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق