الباحث القرآني

ولَمّا أفْهَمَ خِتامُ هَذِهِ الآيَةِ أنَّ التَّشْدِيدَ في الأحْكامِ يَكُونُ سَبَبًا لِلْإجْرامِ؛ فَيَكُونُ سَبَبًا في الِانْتِقامِ؛ قَرَّرَ ذَلِكَ بِحالِ اليَهُودِ الَّذِينَ أوْجَبَتْ (p-٢٨٩)لَهُمُ الآصارُ عَذابَ النّارِ؛ فَقالَ - لِيَكُونَ ذَلِكَ مُرَغِّبًا في تَقَبُّلِ ما مَرَّ مِنَ التَّكالِيفِ؛ لِيُسْرِهِ؛ ولِرَجاءِ الثَّوابِ؛ مُرَهِّبًا مِن تَرْكِها؛ خَوْفًا مِنَ العِقابِ؛ ولِيَصِيرَ الكَلامُ حُلْوًا؛ رائِقًا؛ بَهِجًا؛ بِتَفْصِيلِ نَظْمِهِ تارَةً بِأحْكامٍ؛ وتارَةً بِأقاصِيصَ عِظامٍ؛ فَيَنْشَطَ الخاطِرُ؛ وتَقْوى القَرِيحَةُ -: ﴿ألَمْ تَرَ﴾؛ أوْ يُقالُ: إنَّهُ لَمّا حَذَّرَ - سُبْحانَهُ وتَعالى - فِيما مَضى مِن أهْلِ الكِتابِ؛ بِقَوْلِهِ - سُبْحانَهُ وتَعالى -: ﴿ويُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أنْ تَمِيلُوا مَيْلا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٢٧]؛ ومَرَّ إلى أنْ أنْزَلَ هَذِهِ فِيمَن حَرَّفَ في الصَّلاةِ لِسانُهُ فَقَطْ - لا عَنْ عَمْدٍ - الكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ؛ أتْبَعَها التَّصْرِيحَ بِالتَّعْجِيبِ مِن حالِ المُحَرِّفِينَ بِالقَلْبِ؛ واللِّسانِ؛ عَمْدًا وعُدْوانًا؛ اجْتِراءً عَلى اللَّهِ - سُبْحانَهُ وتَعالى -؛ المُلَوَّحِ إلَيْهِمْ بِالآيَةِ السّابِقَةِ أنَّهم يُرِيدُونَ لَنا الضَّلالَ عَمّا هُدِينا إلَيْهِ مِن سُنَنِهِمْ؛ فَقالَ: ﴿ألَمْ تَرَ﴾ ولَمّا كانُوا بِمَحَلِّ البُعْدِ - بِما لَهم مِنَ اللَّعْنِ - عَنْ حَضْرَتِهِ الشَّرِيفَةِ؛ عَبَّرَ بِأداةِ الِانْتِهاءِ؛ بَصَرِيَّةً كانَتِ الرُّؤْيَةُ أوْ قَلْبِيَّةً؛ فَقالَ: ﴿إلى الَّذِينَ أُوتُوا﴾؛ وحَقَّرَ أمْرَهم بِالبِناءِ لِلْمَفْعُولِ؛ وبِقَوْلِهِ: ﴿نَصِيبًا مِنَ الكِتابِ﴾؛ أيْ: كَشَأْسِ بْنِ قَيْسٍ؛ الَّذِي أرادَ الخُلْفَ بَيْنَ الأنْصارِ؛ وفي ذَلِكَ أنَّ أقَلَّ شَيْءٍ مِنَ الكِتابِ يَكْفِي في ذَمِّ الضَّلالِ؛ لِأنَّهُ كافٍ في الهِدايَةِ (p-٢٩٠)﴿يَشْتَرُونَ﴾؛ أيْ: يَتَكَلَّفُونَ؛ ويُلِحُّونَ - بِما هم فِيهِ مِن رِئاسَةِ الدُّنْيا مِنَ المالِ والجاهِ - أنْ يَأْخُذُوا ﴿الضَّلالَةَ﴾؛ مُعْرِضِينَ عَنِ الهُدى؛ غَيْرَ ذاكِرِيهِ بِوَجْهٍ؛ وسَبَبُ كَثِيرٍ مِن ذَلِكَ ما في دِينِهِمْ مِنَ الآصارِ؛ والأثْقالِ؛ كَما أشارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ - سُبْحانَهُ وتَعالى -: ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أضاعُوا الصَّلاةَ﴾ [مريم: ٥٩]؛ أيْ: بِسَبَبِ ما شُدِّدَ عَلَيْهِمْ فِيها؛ بِأنَّها لا تُفْعَلُ إلّا في المَوْضِعِ المَبْنِيِّ لَها؛ وبِغَيْرِ ذَلِكَ مِن أنْواعِ الشِّدَّةِ؛ وكَذا غَيْرُها المُشارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ - سُبْحانَهُ وتَعالى - ﴿فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ﴾ [المائدة: ١٣]؛ وغَيْرُ ذَلِكَ؛ ومِن أعْظَمِهِ ما يُخْفُونَ مِن صِفَةِ النَّبِيِّ ﷺ؛ لِيَتَقَرَّبُوا بِذَلِكَ إلى أهْلِ دِينِهِمْ؛ ويَأْخُذُوا مِنهُمُ الرُّشى عَلى ذَلِكَ؛ ويَجْعَلُوهم عَلَيْهِمْ رُؤَساءَ. ولَمّا ذَكَرَ ضَلالَهُمُ المُتَضَمِّنَ لِإضْلالِهِمْ؛ أتْبَعَهُ ما يَدُلُّ عَلى إعْراقِهِمْ فِيهِ؛ فَقالَ - مُخاطِبًا لِمَن يُمْكِنُ تَوْجِيهُ هِمَمِهِمْ بِإضْلالٍ إلَيْهِ: ﴿ويُرِيدُونَ أنْ تَضِلُّوا﴾؛ أيْ: يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا؛ ﴿السَّبِيلَ﴾؛ حَتّى تُساوُوهُمْ؛ فَلِذَلِكَ يُذَكِّرُونَكم بِالأحْقادِ؛ والأضْغانِ؛ والأنْكادِ - كَما فَعَلَ شَأْسٌ - لا مَحَبَّةً فِيكُمْ؛ ويُلْقُونَ إلَيْكُمُ الشُّبْهَةَ؛ فاللَّهُ - سُبْحانَهُ وتَعالى - أعْلَمُ بِهِمْ؛ حَيْثُ (p-٢٩١)حَذَّرَكم مِنهُ؛ بِقَوْلِهِ ﴿لا يَأْلُونَكم خَبالا﴾ [آل عمران: ١١٨]؛ وما بَعْدَهُ؛ إلى هُنا؛
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب