الباحث القرآني
ولَمّا كَثُرَتْ في هَذِهِ السُّورَةِ الوَصايا؛ مِن أوَّلِها إلى هُنا؛ بِنَتِيجَةِ التَّقْوى - العَدْلِ والفَضْلِ؛ والتَّرْغِيبِ في نَوالِهِ؛ والتَّرْهِيبِ مِن نَكالِهِ - إلى أنْ خَتَمَ ذَلِكَ بِإرْشادِ الزَّوْجَيْنِ إلى المُعامَلَةِ بِالحُسْنى؛ وخَتَمَ الآيَةَ بِما هو في الذِّرْوَةِ مِن حُسْنِ الخِتامِ؛ مِن صِفَتَيِ العِلْمِ والخَبْرِ؛ وكانَ ذَلِكَ في مَعْنى ما خُتِمَ بِهِ الآيَةُ الآمِرَةُ بِالتَّقْوى؛ مِنَ الوَصْفِ بِالرَّقِيبِ؛ اقْتَضى ذَلِكَ تَكْرِيرَ التَّذْكِيرِ بِالتَّقْوى؛ الَّتِي افْتُتِحَتِ السُّورَةُ بِالأمْرِ بِها؛ فَكانَ التَّقْدِيرُ - حَتْمًا -: فاتَّقُوهُ؛ عَطَفَ عَلَيْهِ - أوْ عَلى نَحْوِ: ﴿واسْألُوا اللَّهَ مِن فَضْلِهِ﴾ [النساء: ٣٢]؛ أوْ عَلى: ﴿اتَّقُوا رَبَّكُمُ﴾ [النساء: ١] - الخُلُقَ المَقْصُودَ مِنَ الخَلْقِ المَبْثُوثِينَ عَلى تِلْكَ الصِّفَةِ؛ وهو العِبادَةُ الخالِصَةُ الَّتِي هي الإحْسانُ في مُعامَلَةِ الخالِقِ؛ وأتْبَعَها الإحْسانَ في مُعامَلَةِ الخَلائِقِ؛ فَقالَ: ﴿واعْبُدُوا اللَّهَ﴾؛ أيْ: أطِيعُوا الَّذِي لَهُ الكَمالُ كُلُّهُ؛ فَلا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ؛ طاعَةً مَحْضَةً؛ مِن غَيْرِ شائِبَةِ خِلافٍ؛ مَعَ الذُّلِّ والِانْكِسارِ؛ لِأنَّ مِلاكَ ذَلِكَ كُلِّهِ التَّعَبُّدُ بِامْتِثالِ الأوامِرِ؛ واجْتِنابِ الزَّواجِرِ.
ولَمّا كانَ - سُبْحانَهُ - غَنِيًّا؛ لَمْ يَقْبَلْ إلّا الخالِصَ؛ فَقالَ مُؤَكِّدًا لِما أفْهَمَهُ (p-٢٧٦)ما قَبْلَهُ: ﴿ولا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾
ولَمّا أمَرَ لِلْواحِدِ الحَقِيقِيِّ بِما يَنْبَغِي لَهُ؛ وكانَ لِذَلِكَ دَرَجَتانِ: أُولاهُما الإيمانُ؛ وأعْلاهُما الإحْسانُ؛ فَصارَ المَأْمُورُ بِذَلِكَ مَخْلِصًا في عِبادَتِهِ؛ أمَرَهُ بِالإحْسانِ في خِلافَتِهِ؛ وبَدَأ بِأوْلى النّاسِ بِذَلِكَ؛ وهو مَن جَعْلَهُ سَبَبًا لِإيجادِهِ؛ فَقالَ - مُشِيرًا إلى أنَّهُ لا يَرْضى لَهُ مِن ذَلِكَ إلّا دَرَجَةَ الإحْسانِ؛ وإلى أنَّ مَن أخْلَصَ لَهُ أغْناهُ عَنْ كُلِّ ما سِواهُ؛ فَلا يَزالُ مُنْعِمًا عَلى مَن عَداهُ -: ﴿وبِالوالِدَيْنِ﴾؛ أيْ: وأحْسِنُوا بِهِما؛ ﴿إحْسانًا﴾؛ وكَفى دَلالَةً عَلى تَعْظِيمِ أمْرِهِما جَعْلُ بِرِّهِما قَرِينَ الأمْرِ بِتَوْحِيدِهِ - سُبْحانَهُ.
ولَمّا كانَ مَبْنى السُّورَةِ عَلى الصِّلَةِ؛ لا سِيَّما لِذِي الرَّحِمِ؛ قالَ - مُفَصِّلًا لِما ذُكِرَ أوَّلَ السُّورَةِ؛ تَأْكِيدًا لَهُ -: ﴿وبِذِي القُرْبى﴾؛ لِتَأكُّدِ حَقِّهِمْ؛ بِمَزِيدِ قُرْبِهِمْ؛ ولِاقْتِضاءِ هَذِهِ السُّورَةِ مَزِيدَ الحَثِّ عَلى التَّعاطُفِ؛ أعادَ الجارَّ؛ ثُمَّ أتْبَعَ ذَلِكَ مَن تَجِبُ مُراعاتُهُ لِلَّهِ؛ أوْ لِمَعْنًى تَفْسُدُ بِالإخْلالِ بِهِ ذاتُ البَيْنِ؛ وبَدَأ بِما لِلَّهِ؛ لِأنَّهُ إذا صَحَّ تَبِعَهُ غَيْرُهُ؛ فَقالَ: ﴿واليَتامى والمَساكِينِ﴾؛ أيْ: وإنْ لَمْ تَكُنْ رَحِمُهم مَعْرُوفَةً؛ وخَصَّهم لِضَعْفِهِمْ؛ وقَدَّمَ اليَتِيمَ لِأنَّهُ أضْعَفُ؛ لِأنَّهُ لِصِغَرِهِ يَضْعُفُ عَنْ دَفْعِ حاجَتِهِ؛ ورَفْعِها إلى غَيْرِهِ؛ ﴿والجارِ ذِي القُرْبى﴾؛ أيْ: لِأنَّ لَهُ حَقَّيْنِ؛ ﴿والجارِ الجُنُبِ﴾ (p-٢٧٧)؛ أيْ: الَّذِي لا قَرابَةَ لَهُ؛ لِلْبَلْوى بِعِشْرَتِهِ؛ خَوْفًا مِن بالِغِ مَضَرَّتِهِ: «”اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِن جارِ السُّوءِ؛ في دارِ المُقامَةِ؛ فَإنَّ جارَ البادِيَةِ يَتَحَوَّلُ“؛» ﴿والصّاحِبِ بِالجَنْبِ﴾؛ أيْ: المُلاصِقِ؛ المُخالِطِ في أمْرٍ مِنَ الأُمُورِ المُوجِبَةِ لِامْتِدادِ العِشْرَةِ؛ ﴿وابْنِ السَّبِيلِ﴾؛ أيْ: المُسافِرِ؛ لِغُرْبَتِهِ؛ وقِلَّةِ ناصِرِهِ؛ ووَحْشَتِهِ؛ ﴿وما مَلَكَتْ أيْمانُكُمْ﴾؛ أيْ: مِنَ العَبِيدِ؛ والإماءِ كَذَلِكَ؛ فَإنَّ الإحْسانَ إلَيْهِمْ طاعَةٌ عَظِيمَةٌ؛ آخِرُ ما تَكَلَّمَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ الصَّلاةُ؛ وما مَلَكَتْ أيْمانُكم.
ولَمّا ذَكَرَ الإحْسانَ؛ الَّذِي عِمادُهُ التَّواضُعُ والكَرَمُ؛ خَتَمَ الآيَةَ - تَرْغِيبًا فِيهِ؛ وتَحْذِيرًا مِن مَنعِهِ؛ مُعَلِّلًا لِلْأمْرِ بِهِ - بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّ اللَّهَ﴾؛ أيْ: بِما لَهُ مِنَ الأسْماءِ الحُسْنى؛ والصِّفاتِ العُلا؛ ﴿لا يُحِبُّ﴾؛ أيْ: لا يَفْعَلُ فِعْلَ المُحِبِّ؛ مَعَ ﴿مَن كانَ مُخْتالا﴾؛ أيْ: مُتَكَبِّرًا؛ مُعْجَبًا بِنَفْسِهِ؛ مُتَزَيِّنًا بِحِلْيَتِهِ؛ مُرائِيًا بِما آتاهُ اللَّهُ (تَعالى) مِن فَضْلِهِ؛ عَلى وجْهِ العَظَمَةِ؛ واحْتِقارِ الغَيْرِ؛ يَأْنَفُ مِن أنْ يُنْسَبَ إلَيْهِ أقارِبُهُ الفُقَراءُ؛ ويُقْذِرُ جِيرانَهُ إذا كانُوا ضُعَفاءَ؛ فَلا يُحْسِنُ إلَيْهِمْ؛ لِئَلّا يُلِمُّوا بِهِ فَيُعَيَّرَ بِهِمْ.
ولَمّا كانَ المُخْتالُ رُبَّما أحْسَنَ رِياءً؛ قالَ - مُعْلِمًا أنَّهُ لا يَقْبَلُ إلّا الخالِصَ -: ﴿فَخُورًا﴾؛ مُبالِغًا في التَّمَدُّحِ بِالخِصالِ؛ يَأْنَفُ مِن عِشْرَةِ الفُقَراءِ؛ (p-٢٧٨)وفِي ذَلِكَ أتَمُّ تَرْهِيبٍ مِنَ الخُلُقِ المانِعِ مِنَ الإحْسانِ؛ وهو الِاخْتِيالُ عَلى عِبادِ اللَّهِ؛ والِافْتِخارُ عَلَيْهِمُ؛ ازْدِراءً بِهِمْ؛ فَإنَّهُ لا مُقْتَضى لِذَلِكَ؛ لِأنَّ الكُلَّ مِن نَفْسٍ واحِدَةٍ؛ والفَضْلُ نِعْمَةٌ مِنهُ - سُبْحانَهُ -؛ يَجِبُ شُكْرُها بِالتَّواضُعِ؛ لِتَدُومَ؛ ويُحْذَرُ كُفْرُها بِالفَخارِ؛ خَوْفًا مِن أنْ تَزُولَ.
{"ayah":"۞ وَٱعۡبُدُوا۟ ٱللَّهَ وَلَا تُشۡرِكُوا۟ بِهِۦ شَیۡـࣰٔاۖ وَبِٱلۡوَ ٰلِدَیۡنِ إِحۡسَـٰنࣰا وَبِذِی ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡیَتَـٰمَىٰ وَٱلۡمَسَـٰكِینِ وَٱلۡجَارِ ذِی ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡجَارِ ٱلۡجُنُبِ وَٱلصَّاحِبِ بِٱلۡجَنۢبِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِیلِ وَمَا مَلَكَتۡ أَیۡمَـٰنُكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُحِبُّ مَن كَانَ مُخۡتَالࣰا فَخُورًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











