الباحث القرآني

ولَمّا كانَتْ هَذِهِ الأوْصافُ مُنْطَبِقَةً عَلى الأنْبِياءِ - عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ -؛ وكانَ مِن أحْوالِهِمُ الوَحْيُ؛ قالَ (تَعالى) - إبْطالًا لِشُبْهَتِهِمُ القائِلَةِ: (p-٥٠٥)”لَوْ كانَ نَبِيًّا أتى بِكِتابِهِ جُمْلَةً مِنَ السَّماءِ؛ كَما أتى مُوسى - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - بِالتَّوْراةِ كَذَلِكَ“؛ بِإقْرارِهِمْ بِنُبُوَّةِ هَؤُلاءِ الأنْبِياءِ - عَلَيْهِمُ السَّلامُ - مَعَ كَوْنِهِمْ لَيْسَ لَهم تِلْكَ الصِّفَةُ؛ ولَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قادِحًا في نُبُوَّةِ أحَدٍ مِنهُمْ؛ ولا رِسالَتِهِ -: ﴿إنّا﴾؛ ويَصِحُّ أنَّ يَكُونَ هَذا تَعْلِيلًا لِـ ”يُؤْمِنُونَ“؛ أيْ: إنَّهم آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إلَيْكَ لِأنّا ﴿أوْحَيْنا إلَيْكَ كَما﴾؛ أيْ: مِثْلَما ﴿أوْحَيْنا إلى نُوحٍ﴾؛ وقَدْ آمَنُوا بِما بِهِ لِما أتى بِهِ مِنَ المُعْجِزِ المُوجِبِ لِلْإيمانِ؛ مِن غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلى مُعْجِزٍ آخَرَ؛ ولا غَيْرِهِ؛ لِأنَّ إثْباتَ المَدْلُولِ إنَّما يَتَوَقَّفُ عَلى ثُبُوتِ الدَّلِيلِ؛ فَإذا تَمَّ الدَّلِيلُ كانَتِ المُطالَبَةُ بِدَلِيلٍ آخَرَ طَلَبًا لِلزِّيادَةِ وإظْهارًا لِلتَّعَنُّتِ واللَّجاجِ - واللَّهِ - سُبْحانَهُ - يَفْعَلُ ما يَشاءُ؛ ويَحْكُمُ ما يُرِيدُ. ولَمّا كانَ مَقامُ الإيحاءِ - وهو الأنْبِياءُ - مِن قِبَلِ اللَّهِ (تَعالى)؛ قالَ: ﴿والنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ﴾؛ أيْ: فَهم يَعْلَمُونَ ذَلِكَ؛ بِما لَهم مِنَ الرُّسُوخِ في العِلْمِ؛ وطَهارَةِ الأوْصافِ؛ ولا يَشُكُّونَ في أنَّ الكُلَّ مِن مِشْكاةٍ واحِدَةٍ؛ مَعَ أنَّ هَذا الكِتابَ أبْلَغُ؛ والتَّعْبِيرُ فِيهِ عَنِ المَقاصِدِ أجْلى؛ وأجْمَعُ؛ فَهم إلَيْهِ أمْيَلُ؛ ولَهُ أقْبَلُ؛ وأمّا المَطْبُوعُ عَلى قُلُوبِهِمُ؛ المَمْنُوعُونَ مِن رُسُوخِ العِلْمِ فِيها بِكَثافَةِ الحِجابِ؛ حَتّى إنَّها لا تَنْظُرُ إلى أسْرارِهِ إلّا مِن وراءِ غِشاءٍ؛ فَهم غَيْرُ قابِلِينَ لِنُورِ العِلْمِ؛ المُتَهَيِّئِ لِلْإيمانِ؛ فَأسْرَعُوا إلى الكُفْرِ؛ وبادَرُوا بِالذُّلِّ والصَّغارِ؛ وفي الآخِرَةِ بِالسُّخْطِ؛ والنّارِ. (p-٥٠٦)ولَمّا أجْمَلَ (تَعالى) ذِكْرَ النَّبِيِّينَ فَصَّلَ؛ فَقالَ - مُنَبِّهًا عَلى شَرَفِ مَن ذَكَرَهُمْ؛ وشُهْرَتِهِمْ -: ﴿وأوْحَيْنا إلى إبْراهِيمَ﴾؛ أيْ: أبِيكُمْ؛ وأبِيهِمْ كَذَلِكَ؛ ﴿وإسْماعِيلَ﴾؛ أيْ: ابْنِهِ الأكْبَرِ؛ الَّذِي هو أبُوكم دُونَهُمْ؛ ﴿وإسْحاقَ﴾؛ وهو ابْنُهُ الثّانِي؛ وأبُوهُمْ؛ ﴿ويَعْقُوبَ﴾؛ أيْ: ابْنِ إسْحاقَ؛ ﴿والأسْباطِ﴾؛ أيْ: أوْلادِ يَعْقُوبَ. ولَمّا أجْمَلَ بِذِكْرِ الأسْباطِ بَعْدَ تَفْصِيلِ مَن قَبْلَهُمْ؛ فَصَّلَ مَن بَعْدَهُمْ؛ فَقالَ: ﴿وعِيسى﴾؛ أيْ: الَّذِي هو آخِرُهُمْ؛ مِن ذُرِّيَّةِ يَعْقُوبَ؛ ﴿وأيُّوبَ﴾؛ وهو مِن ذُرِّيَّةِ عِيصُو بْنِ إسْحاقَ؛ عَلى ما ذَكَرُوا؛ ﴿ويُونُسَ وهارُونَ وسُلَيْمانَ﴾؛ ولَمّا كانَ المَقامُ لِلتَّعْظِيمِ بِالوَحْيِ؛ وكانَ داوُدُ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - مِن أهْلِ الكِتابِ قالَ: ﴿وآتَيْنا داوُدَ زَبُورًا﴾؛ أيْ: وهم يَدَّعُونَ الإيمانَ بِهِ؛ مَعَ اعْتِرافِهِمْ بِأنَّهُ لَمْ يَنْزِلْ جُمْلَةً؛ ولا مَكْتُوبًا مِنَ السَّماءِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب