الباحث القرآني

ولَمّا تَقَدَّمَ - سُبْحانَهُ - في الإيصاءِ بِالنِّساءِ؛ وكانَ الإحْسانُ في الدُّنْيا تارَةً يَكُونُ بِالثَّوابِ؛ وتارَةً يَكُونُ بِالزَّجْرِ والعِتابِ؛ لِأنَّ مَدارَ الشَّرائِعِ عَلى العَدْلِ والإنْصافِ؛ والِاحْتِرازِ في كُلِّ بابٍ عَنْ طَرَفَيِ الإفْراطِ (p-٢١٦)والتَّفْرِيطِ؛ وخَتَمَ - سُبْحانَهُ - بِإهانَةِ العاصِي؛ إحْسانًا إلَيْهِ؛ بِكَفِّهِ عَنِ الفَسادِ؛ لِئَلّا يُلْقِيَهُ ذَلِكَ إلى الهَلاكِ أبَدَ الآبادِ؛ وكانَ مِن أفْحَشِ العِصْيانِ الزِّنا؛ وكانَ الفَسادُ في النِّساءِ أكْثَرَ؛ والفِتْنَةُ بِهِنَّ أكْبَرَ؛ والضَّرَرُ مِنهُنَّ أخْطَرَ؛ وقَدْ يُدْخِلْنَ عَلى الرِّجالِ مَن يَرِثُ مِنهم مِن غَيْرِ أوْلادِهِمْ؛ قَدَّمَهُنَّ فِيهِ؛ اهْتِمامًا بِزَجْرِهِنَّ؛ فَقالَ: ﴿واللاتِي﴾؛ وهو جَمْعُ ”الَّتِي“؛ ولَعَلَّهُ عَبَّرَ فِيهِنَّ بِالجَمْعِ إشارَةً إلى كَثْرَتِهِنَّ - كَما أشارَ إلى ذَلِكَ: ﴿مَثْنى وثُلاثَ ورُباعَ﴾ [النساء: ٣]؛ وإلى كَثْرَةِ الفَسادِ مِنهُنَّ؛ ﴿يَأْتِينَ﴾؛ أيْ: يَفْعَلْنَ - مِن إطْلاقِ السَّبَبِ عَلى المُسَبِّبِ؛ والتَّعْبِيرُ بِهِ أبْلَغُ - ﴿الفاحِشَةَ﴾؛ أيْ: الفِعْلَةَ الشَّدِيدَةَ الشَّناعَةِ؛ وفي الآيَةِ - لِأنَّ مِن أعْظَمِ المُراداتِ بِنَظْمِها؛ عَقِبَ آياتِ الإرْثِ؛ وما تَقَدَّمَها؛ الِاحْتِياطَ لِلنَّسَبِ - إشارَةٌ - بِذِكْرِ عُقُوبَةِ الزّانِيَةِ؛ مِن غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِإرْثِ الوَلَدِ الآتِي مِنها - إلى أنَّ الوَلَدَ لِلْفِراشِ؛ وأنَّهُ لا يُنْفى بِالمَظِنَّةِ؛ بَلْ بَعْدَ التَّحَقُّقِ؛ عَلى ما في سُورَةِ ”النُّورِ“؛ لِأنَّهُ لا يَلْزَمُ مِن وُجُودِ الزِّنا نَفْيُهُ؛ وكَوْنُهُ مِنَ الزِّنا؛ قالَ أبُو حَيّانَ؛ في ”النَّهْرُ“: ”والفاحِشَةُ هُنا الزِّنا؛ بِإجْماعِ المُفَسِّرِينَ؛ إلّا ما ذَهَبَ إلَيْهِ مُجاهِدٌ؛ وتَبِعَهُ أبُو مُسْلِمٍ الأصْفَهانِيُّ؛ مِن أنَّها المُساحَقَةُ؛ ومِنَ الرِّجالِ اللِّواطُ“؛ ثُمَّ بَيَّنَ المَوْصُولَ؛ بِقَوْلِهِ: (p-٢١٧)﴿مِن نِسائِكُمْ﴾؛ أيْ: الحَرائِرِ؛ ﴿فاسْتَشْهِدُوا﴾؛ أيْ: فاطْلُبُوا أنْ تُشْهِدُوا؛ ﴿عَلَيْهِنَّ أرْبَعَةً﴾؛ مِنَ الرِّجالِ. ولَمّا كانَ (تَعالى) قَدْ جَعَلَ هَذِهِ الأُمَّةَ وسَطًا؛ يُقْبِلُونَ عَلى غَيْرِهِمْ؛ ولا يُقْبِلُ غَيْرُهم عَلَيْهِمْ؛ قالَ: ﴿مِنكُمْ﴾؛ أيْ: مِن عُدُولِ المُسْلِمِينَ؛ بِأنَّهُنَّ فَعَلْنَها؛ ﴿فَإنْ شَهِدُوا﴾؛ أيْ: بِذَلِكَ؛ ﴿فَأمْسِكُوهُنَّ﴾؛ أيْ: فاحْبِسُوهُنَّ؛ ﴿فِي البُيُوتِ﴾؛ أيْ: وامْنَعُوهُنَّ مِنَ الخُرُوجِ؛ فَإنَّ ذَلِكَ أصْوَنُ لَهُنَّ؛ ولْيَسْتَمِرَّ هَذا المَنعُ؛ ﴿حَتّى يَتَوَفّاهُنَّ المَوْتُ﴾؛ أيْ: يَأْتِيَهُنَّ وهُنَّ وافِياتِ الأعْراضِ؛ ﴿أوْ يَجْعَلَ اللَّهُ﴾؛ المُحِيطُ عِلْمُهُ وحِكْمَتُهُ؛ ﴿لَهُنَّ سَبِيلا﴾؛ أيْ: لِلْخُرُوجِ قَبْلَ المَوْتِ؛ بِتَبَيُّنِ الحَدِّ؛ أوْ بِالنِّكاحِ؛ وإنْ لَمْ يَشْهَدِ الأرْبَعَةُ لَمْ يُفْعَلْ بِهِنَّ ذَلِكَ؛ وإنْ تَحَقَّقَ الفِعْلُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب