الباحث القرآني

ولَمّا كانَ المَلِكُ قَدْ لا يَمْنَعُ الِاعْتِراضَ عَلى المالِكِ؛ بَيَّنَ أنَّ ذَلِكَ إنَّما هو في المُلْكِ النّاقِصِ؛ وأنَّهُ مُلْكُهُ تامٌّ: ﴿ولِلَّهِ﴾؛ أيْ: الَّذِي لَهُ العِلْمُ الكامِلُ؛ والقُدْرَةُ الشّامِلَةُ؛ ﴿ما في السَّماواتِ﴾؛ وأكَّدَ لِمِثْلِ ما مَضى؛ فَقالَ: ﴿وما في الأرْضِ﴾؛ أيْ: هو قائِمٌ بِمَصالِحِ ذَلِكَ كُلِّهِ؛ يَسْتَقِلُّ بِجَمِيعِ أمْرِهِ؛ لا مُعْتَرِضَ عَلَيْهِ؛ بَلْ هُما وكُلُّ مَن فِيهِما مُظْهِرٌ العَجْزَ عَنْ أمْرِهِ؛ مُعَلِّقٌ مَقالِيدَ نَفْسِهِ وأحْوالِهِ إلَيْهِ؛ طَوْعًا أوْ كَرْهًا؛ فَهو وكِيلٌ عَلى كُلِّ ذَلِكَ؛ فاعِلٌ بِهِ ما يَفْعَلُ الوَكِيلُ مِنَ الأخْذِ؛ والقَبْضِ؛ والبَسْطِ؛ ولِمِثْلِ ذَلِكَ كَرَّرَ الِاسْمَ الأعْظَمَ؛ فَقالَ: ﴿وكَفى بِاللَّهِ﴾؛ أيْ: الَّذِي لَهُ الأمْرُ كُلُّهُ؛ ولا أمْرَ لِأحَدٍ مَعَهُ؛ ﴿وكِيلا﴾؛ أيْ: قائِمًا بِالمَصالِحِ؛ قاهِرًا؛ مُتَفَرِّدًا بِجَمِيعِ الأُمُورِ؛ قادِرًا عَلى جَمِيعِ المَقْدُورِ؛ وقَدْ بانَ - كَما تَرى - أنَّ جُمْلَةَ ”لِلَّهِ“؛ المُكَرَّرَةَ ثَلاثَ مَرّاتٍ؛ ذَكَرَتْ كُلَّ مَرَّةٍ دَلِيلًا عَلى شَيْءٍ غَيْرِ الَّذِي قَبْلَهُ؛ وكُرِّرَتْ لِأنَّ الدَّلِيلَ الواحِدَ إذا كانَ دالًّا عَلى مَدْلُولاتٍ كَثِيرَةٍ؛ يَحْسُنُ (p-٤٢٩)أنْ يُسْتَدَلَّ بِهِ عَلى كُلِّ واحِدٍ مِنها؛ وإعادَتُهُ مَعَ كُلِّ واحِدٍ أوْلى مِنَ الِاكْتِفاءِ بِذِكْرِهِ مَرَّةً واحِدَةً؛ لِأنَّ عِنْدَ إعادَتِهِ يَحْضُرُ في الذِّهْنِ ما يُوجِبُ العِلْمَ بِالمَدْلُولِ؛ فَيَكُونُ العِلْمُ الحاصِلُ بِذَلِكَ المَدْلُولِ أقْوى؛ وأجَلَّ؛ وفي خَتْمِ كُلِّ جُمْلَةٍ بِصِفَةٍ مِنَ الصِّفاتِ الحُسْنى تَنْبِيهُ الذِّهْنِ بِها إلى أنَّ هَذا الدَّلِيلَ دالٌّ عَلى أسْرارٍ شَرِيفَةٍ؛ ومَطالِبَ جَلِيلَةٍ؛ لا تَنْحَصِرُ؛ فَيَجْتَهِدُ السّامِعُ في التَّفَكُّرِ لِإظْهارِ الأسْرارِ؛ والِاسْتِدْلالِ عَلى صِفاتِ الكَمالِ؛ لِأنَّ الغَرَضَ الكُلِّيَّ مِن هَذا الكِتابِ صَرْفُ العُقُولِ والأفْهامِ عَنْ الِاشْتِغالِ بِغَيْرِ اللَّهِ (تَعالى)؛ إلى الِاسْتِغْراقِ في مَعْرِفَتِهِ - سُبْحانَهُ -؛ وهَذا التَّكْرِيرُ مِمّا يُفِيدُ حُصُولَ هَذا المَطْلُوبِ ويُؤَكِّدُهُ؛ فَكانَ في غايَةِ الحُسْنِ؛ والكَمالِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب