الباحث القرآني

ولَمّا كانَ أوَّلُ هَذِهِ القِصَصِ التَّعْجِيبَ مِن حالِ الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الكِتابِ في ضَلالِهِمْ؛ وإضْلالِهِمْ؛ ثُمَّ التَّعْجِيبَ مِن إيمانِهِمْ بِالجِبْتِ؛ والطّاغُوتِ؛ ثُمَّ التَّعْجِيبَ مِن حالِ مَنِ ادَّعى الإيمانَ بِهَذا الكِتابِ؛ مَعَ الكُتُبِ السّالِفَةِ؛ ثُمَّ رَضِيَ بِحُكْمِ غَيْرِهِ؛ وساقَ - سُبْحانَهُ وتَعالى - أُصُولَ ذَلِكَ؛ وفُرُوعَهُ؛ ونَصَبَ الأدِلَّةَ؛ حَتّى عَلَتْ عَلى الفَرْقَدَيْنِ؛ وانْتَشَرَ ضِياؤُها عَلى جَمِيعِ الخافِقَيْنِ؛ وخَتَمَ ذَلِكَ بِمُجاهَدَةِ المُبْطِلِينَ بِالحُجَّةِ؛ والسَّيْفِ؛ وسَوَّرَ ذَلِكَ بِصِفَتَيِ العِلْمِ؛ والحِكْمَةِ؛ ناسَبَ - أتَمَّ مُناسَبَةٍ - الإخْبارَ بِأنَّهُ أنْزَلَ هَذا الكِتابَ بِالحَقِّ؛ وبَيَّنَ فائِدَتَهُ الَّتِي عَدَلَ عَنْها المُنافِقُونَ في اسْتِحْكامِ غَيْرِهِ؛ فَقالَ: ﴿إنّا أنْـزَلْنا﴾؛ أيْ: بِما لَنا مِنَ العَظَمَةِ؛ الَّتِي تَتَقاصَرُ دُونَها كُلُّ عَظَمَةٍ؛ ﴿إلَيْكَ﴾؛ أيْ: خاصَّةً؛ وأنْتَ أكْمَلُ الخَلْقِ؛ ﴿الكِتابَ﴾؛ أيْ: الكامِلَ؛ الجامِعَ لِكُلِّ خَيْرٍ؛ ﴿بِالحَقِّ﴾؛ أيْ: مُلْتَبِسًا بِما يُطابِقُهُ الواقِعُ (p-٣٨٨)﴿لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ﴾؛ أيْ: عامَّةً؛ لِأنَّ دَعْوَتَكَ عامَّةٌ؛ فَلا أضَلَّ مِمَّنْ عَدَلَ عَنْ حُكْمِكَ؛ وابْتَغى خَيْرًا مِن غَيْرِ كِتابِكَ؛ وأشارَ إلى أنَّهُ لا يَنْطِقُ عَنِ الهَوى؛ بِقَوْلِهِ: ﴿بِما أراكَ اللَّهُ﴾؛ أيْ: عَرَّفَكَهُ الَّذِي لَهُ القُدْرَةُ الشّامِلَةُ؛ والعِلْمُ الكامِلُ؛ فَإنْ كانَ قَدْ بَيَّنَ لَكَ شَيْئًا غايَةَ البَيانِ فافْعَلْهُ؛ وإلّا فانْتَظِرْ مِنهُ البَيانَ؛ ثُمَّ شَرَعَ - سُبْحانَهُ وتَعالى - في إتْمامِ ما بَقِيَ مِن أخْبارِهِمْ؛ وكَشَفَ ما بَطَنَ مِن أسْرارِهِمْ؛ وبَيانِ عَلاماتِهِمْ؛ لِيُعْرَفُوا؛ ويَجْتَنِبَها المُؤْمِنُونَ لِئَلّا يُوسَمُوا بِمَيْسَمِهِمْ. ولَمّا كانَ - سُبْحانَهُ وتَعالى - قَدْ خَفَّفَ عَلَيْهِ ﷺ بِأنْ شَرَعَ لَهُ القَناعَةَ في الحُكْمِ بِالظّاهِرِ؛ وعَدَمَ التَّكْلِيفِ بِالنَّقْبِ عَنْ سَرائِرِهِمْ؛ بِالدَّفْعِ عَنْ طُعْمَةَ بْنِ أُبَيْرِقٍ؛ لِأنَّ أمْرَهُ كانَ مُشْكِلًا؛ فَإنَّهُ سَرَقَ دِرْعًا؛ وأوْدَعَها عِنْدَ يَهُودِيٍّ؛ فَوُجِدَتْ عِنْدَهُ؛ فادَّعى أنَّ طُعْمَةَ أوْدَعَها عِنْدَهُ؛ ولَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ عَلى طُعْمَةَ؛ حَتّى أنْزَلَ اللَّهُ - سُبْحانَهُ وتَعالى - الآيَةَ؛ فَأرادَ (تَعالى) إنْزالَهُ في هَذِهِ النّازِلَةِ؛ وغَيْرِها؛ مِمّا يُرِيدُهُ - سُبْحانَهُ وتَعالى - في المَقامِ الخَضِرِيِّ مِنَ الحُكْمِ بِما في نَفْسِ الأمْرِ؛ مِمّا لا يَعْلَمُهُ إلّا اللَّهُ - سُبْحانَهُ وتَعالى -؛ إذْ كانَ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الجُمْهُورُ - كَما نَقَلَهُ شَيْخُنا قاضِي الشّافِعِيَّةِ بِمِصْرَ؛ أبُو الفَضْلِ أحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حَجَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ (تَعالى) -؛ (p-٣٨٩)فِي الإصابَةِ في أسْماءِ الصَّحابَةِ؛ أنَّ الخَضِرَ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - نَبِيٌّ؛ وكانَ نَبِيُّنا ﷺ قَدْ أُعْطِيَ مِثْلَ جَمِيعِ مُعْجِزاتِ الأنْبِياءِ - صَلَواتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - مَعَ ما اخْتُصَّ بِهِ دُونَهم - عَلى جَمِيعِهِمْ أفْضَلُ الصَّلاةِ؛ وأتَمُّ التَّسْلِيمِ والبَرَكاتِ -؛ فَقالَ (تَعالى) - عاطِفًا عَلى ما عُلِمَ تَقْدِيرُهُ؛ مِن نَحْوِ: ”فاحْكم بِما نُرِيكَ مِن بِحارِ العُلُومِ الَّتِي أوْدَعْناها هَذا الكِتابَ“ -: ﴿ولا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ﴾؛ أيْ: لِأجْلِهِمْ؛ مِن طُعْمَةَ وغَيْرِهِ؛ ﴿خَصِيمًا﴾؛ أيْ: مُخاصِمًا لِمَن يُخاصِمُهُمْ؛
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب