الباحث القرآني
ولَمّا أثْبَتَ هَذِهِ الصِّفاتِ؛ الَّتِي نَفَتْ أنْ يَكُونَ لَهُ شَرِيكٌ أوْ ولَدٌ؛ وأثْبَتَتْ لَهُ الكَمالَ المُطْلَقَ؛ دَلَّ عَلَيْها بِقَوْلِهِ: ﴿خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ﴾؛ أيْ: أبْدَعَهُما مِنَ العَدَمِ؛ ﴿بِالحَقِّ﴾؛ أيْ: خَلْقًا مُتَلَبِّسًا بِالأمْرِ الثّابِتِ؛ الَّذِي لَيْسَ بِخَيالٍ؛ ولا سِحْرٍ؛ عَلى وجْهٍ لا نَقْصَ فِيهِ بِوَجْهٍ؛ ولا تَفاوُتَ؛ ولا خَلَلَ يَقُولُ أحَدٌ فِيهِ: إنَّهُ مُنافٍ لِلْحِكْمَةِ؛ ولَمّا كانَ مِن أدَلِّ الأشْياءِ عَلى صِفَتَيِ الوَحْدانِيَّةِ؛ والقَهْرِ؛ وتَمامِ القُدْرَةِ؛ وكَمالِ الأمْرِ؛ بَعْدَ إيجادِ الخافِقَيْنِ؛ اخْتِلافُ المَلَوَيْنِ؛ وكانَ التَّكْوِيرُ - وهو إدارَةُ الشَّيْءِ عَلى الشَّيْءِ بِسُرْعَةٍ؛ وإحاطَتُهُ بِهِ؛ بِحَيْثُ يَعْلُو عَلَيْهِ؛ ويَغْلِبُهُ؛ ويُغَطِّيهِ - أدَلَّ عَلى صِفَةِ القَهْرِ مِنَ الإيلاجِ؛ قالَ - مُبَيِّنًا لِوَقْتِ إيجادِ المَلَوَيْنِ -: ﴿يُكَوِّرُ﴾؛ أيْ: خَلَقَهُما؛ أيْ: صَوَّرَهُما في حالِ كَوْنِهِ يَلُفُّ؛ ويَلْوِي؛ ويُدِيرُ؛ فَيُغَطِّي مَعَ السُّرْعَةِ والعُلُوِّ والغِلَّةِ؛ تَكْوِيرًا كَثِيرًا مُتَجَدِّدًا مُسْتَمِرًّا إلى أجَلِهِ؛ ﴿اللَّيْلَ عَلى النَّهارِ﴾؛ بِأنْ يَسْتُرَهُ بِهِ؛ فَلا يَدَعُ لَهُ أثَرًا؛ ولِعَظَمَةِ هَذا الصُّنْعِ؛ أعادَ العامِلَ؛ فَقالَ: ﴿ويُكَوِّرُ النَّهارَ﴾؛ عالِيًا تَكْوِيرُهُ وتَغْطِيَتُهُ؛ ﴿عَلى اللَّيْلِ﴾؛ فَيُذْهِبُهُ كَذَلِكَ؛ (p-٤٥٣)ويُدْخِلُ في هَذا الزِّيادَةَ في كُلٍّ مِنهُما؛ بِما يَنْقُصُ مِنَ الآخَرِ؛ لِأنَّهُ إذا ذَهَبَ أحَدُهُما؛ وأتى الآخَرُ مَكانَهُ؛ فَكَأنَّ الآتِيَ لَفَّ عَلى الذّاهِبِ؛ وألْبَسَهُ؛ كَما يُلَفُّ اللِّباسُ عَلى اللّابِسِ؛ أوْ أنَّهُ شَبَّهَ الذّاهِبَ في خَفائِهِ بِالآتِي بِشَيْءٍ ظاهِرٍ؛ لُفَّ عَلَيْهِ ما غَيَّبَهُ عَنْ مَطامِحِ الأبْصارِ؛ أوْ أنَّ كُلًّا مِنهُما لَمّا كانَ يَكُرُّ عَلى الآخَرِ كُرُورًا مُتَتابِعًا شُبِّهَ ذَلِكَ بِتَتابُعِ أكْوارٍ؛ بَعْضِها عَلى بَعْضٍ؛ فَتُغَيِّبُ ما تَحْتَها.
ولَمّا كانَتِ الظُّلْمَةُ سابِقَةً عَلى الضِّياءِ؛ وكانَ اللَّيْلُ إنَّما هو ظُلْمَةٌ يَسْبِقُها ضِياءٌ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ؛ رَتَّبَ - سُبْحانَهُ - هَذا التَّرْتِيبَ عَلى حَسَبِ الإيجادِ؛ ولِذَلِكَ قَدَّمَ آيَةَ النَّهارِ؛ فَقالَ - مُعَبِّرًا بِالماضِي؛ بِخَلْقِهِ الآيَتَيْنِ مُسَخَّرَتَيْنِ؛ عَلى مِنهاجٍ مَعْلُومٍ لِكُلٍّ مِنهُما؛ لا يَتَعَدّاهُ؛ وحَدٍّ مَحْدُودٍ لا يَتَخَطّاهُ -: ﴿وسَخَّرَ﴾؛ أيْ: ذَلَّلَ؛ وأكْرَهَ؛ وقَهَرَ؛ وكَلَّفَ لِما يُرِيدُ؛ مِن غَيْرِ نَفْعٍ لِلْمُسَخَّرِ؛ ﴿الشَّمْسَ﴾؛ أيْ: الَّتِي مَحَتْ ما كانَ مِنَ الظَّلامِ؛ فَأوْجَبَتِ اسْمَ النَّهارِ؛ ﴿والقَمَرَ﴾؛ أيْ: آيَةَ اللَّيْلِ.
ولَمّا أخْبَرَ بِقَهْرِهِما؛ بَيَّنَ ما صَرَّفَهُما فِيهِ؛ فَقالَ - بَيانًا لِهَذا (p-٤٥٤)التَّسْخِيرِ -: ﴿كُلٌّ﴾؛ أيْ: مِنهُما؛ ﴿يَجْرِي﴾؛ أيْ: بِقَضائِنا؛ الَّذِي لا مَرَدَّ لَهُ؛ وهَذا آيَةٌ لِاخْتِلافِ أحْوالِ العَبْدِ؛ لِأنَّ خَلْقَهُ جامِعٌ؛ فَيَخْتَلِفُ في القَبْضِ؛ والبَسْطِ؛ والجَمْعِ؛ والفَرْقِ؛ والأخْذِ؛ والرَّدِّ؛ والصَّحْوِ؛ والسُّكْرِ؛ وفي نُجُومِ العَقْلِ؛ وأقْمارِ العِلْمِ؛ وشُمُوسِ المَعْرِفَةِ؛ ونَهارِ التَّوْحِيدِ؛ ولَيْلِ الشَّكِّ والجَحْدِ؛ ونَهارِ الوَصْلِ؛ ولَيالِي الهَجْرِ والفِراقِ؛ وكَيْفِيَّةِ اخْتِلافِها؛ وزِيادَتِها؛ ونُقْصانِها؛ قالَهُ القُشَيْرِيُّ.
ولَمّا كانَ مَقْصُودُ السُّورَةِ العِزَّةَ؛ الَّتِي مَحَطُّها الغَلَبَةُ؛ وكانَ السِّياقُ لِلْقَهْرِ؛ وكانَ القَضاءُ لِعِلَّةٍ لا يَتَخَلَّفُ عَنْها المَعْلُولُ؛ أدَلَّ عَلى القَهْرِ مِن ذِكْرِ الغايَةِ مُجَرَّدَةً عَنِ العِلَّةِ؛ قالَ: ﴿لأجَلٍ مُسَمًّى﴾؛ أيْ: لِمُنْتَهى الدَّوْرِ؛ ومُنْقَطَعِ الحَرَكَةِ؛ ولَمّا ثَبَتَ بِهَذا قَهْرُهُ؛ قالَ - مُنادِيًا؛ رَشْقًا في قُلُوبِ المُنْكِرِينَ -: ﴿ألا هُوَ﴾؛ أيْ: وحْدَهُ؛ ﴿العَزِيزُ﴾؛ ولَمّا كانَ رُبَّما قالَ مُتَعَنِّتٌ: فَما لَهُ لا يَأْخُذُ مَن يُخالِفُهُ؟ وكانَتْ صِفَةُ القَهْرِ والعِزَّةِ رُبَّما أقْنَطَتِ العُصاةَ؛ فَأخَّرَتْهم عَنِ الإقْبالِ؛ قالَ - مُبَيِّنًا لِسَبَبِ التَّأْخِيرِ؛ ومُسْتَعْطِفًا -: ﴿الغَفّارُ﴾؛ أيْ: الَّذِي لَهُ صِفَةُ السَّتْرِ عَلى الذُّنُوبِ؛ مُتَكَرِّرَةً؛ فَيَمْحُو ذُنُوبَ مَن يَشاءُ عَيْنًا؛ وأثَرًا؛ بِمَغْفِرَتِهِ؛ ويَأْخُذُ مَن يَشاءُ بِعِزَّتِهِ.
{"ayah":"خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۖ یُكَوِّرُ ٱلَّیۡلَ عَلَى ٱلنَّهَارِ وَیُكَوِّرُ ٱلنَّهَارَ عَلَى ٱلَّیۡلِۖ وَسَخَّرَ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ كُلࣱّ یَجۡرِی لِأَجَلࣲ مُّسَمًّىۗ أَلَا هُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡغَفَّـٰرُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











