الباحث القرآني
ولَمّا كانَ الوَكِيلُ في الشَّيْءِ لا تَصْلُحُ وكالَتُهُ فِيهِ إلّا إنْ كانَ قادِرًا عَلَيْهِ بِطَرِيقٍ مِنَ الطُّرُقِ؛ وكانَ حِفْظُهم عَلى الهُدى؛ وعَنِ الضَّلالِ؛ لا يَكُونُ إلّا لِحاضِرٍ لا يَغِيبُ؛ ولا يَعْتَرِيهِ نَوْمٌ؛ ولا يَطْرُقُهُ مَوْتٌ؛ لَمْ تَصِحَّ وكالَةُ أحَدٍ مِنَ الخَلْقِ فِيهِ؛ وكانَ كَأنَّهُ قِيلَ: لِأنَّهُ لَوْ وُكِلَ إلَيْكَ أمْرُهم لَضاعُوا عِنْدَ نَوْمِكَ؛ ومَوْتِكَ”؛ فَدَلَّ عَلَيْهِ بِما أدّى مَعْناهُ؛ وزادَ عَلَيْهِ مِنَ الفَوائِدِ ما يُعْرَفُ بِالتَّأمُّلِ؛ مِن تَشْبِيهِ الهِدايَةِ بِالحَياةِ واليَقَظَةِ؛ والضَّلالِ بِالمَوْتِ والنَّوْمِ؛ فَكَما أنَّهُ لا يَقْدِرُ عَلى الإماتَةِ؛ والإنامَةِ إلّا اللَّهُ؛ فَكَذَلِكَ لا يَقْدِرُ عَلى الهِدايَةِ؛ والإضْلالِ إلّا اللَّهُ؛ فَمَن عَرَفَ هَذِهِ الدَّقِيقَةَ عَرَفَ سِرَّ اللَّهِ في القُدْرَةِ؛ ومَن عَرَفَ السِّرَّ فِيهِ هانَتْ عَلَيْهِ المَصائِبُ؛ فَهي تَسْلِيَةٌ لَهُ ﷺ؛ لَفَتَ القَوْلَ إلى التَّعْبِيرِ بِالِاسْمِ الأعْظَمِ؛ لِاقْتِضاءِ الحالِ لَهُ؛ وأسْنَدَ التَّوَفِّيَ إلَيْهِ - سُبْحانَهُ - لِأنَّهُ في بَيانِ أنَّهُ لا يَصْلُحُ لِلْوَكالَةِ غَيْرُهُ أصْلًا؛ فَقالَ: ﴿اللَّهُ﴾؛ أيْ: الَّذِي لَهُ مَجامِعُ الكَمالِ؛ ولَيْسَ لِشائِبَةِ نَقْصٍ إلَيْهِ سَبِيلٌ؛ ﴿يَتَوَفّى الأنْفُسَ﴾؛ الَّتِي ماتَتْ عِنْدَ انْقِضاءِ (p-٥١٨)آجالِها؛ أيْ يَفْعَلُ في وفاتِها فِعْلَ مَن يَجْتَهِدُ في ذَلِكَ؛ بِأنْ يَقْبِضَها وافِيَةً؛ لا يَدَعُ شَيْئًا مِنها في شَيْءٍ مِنَ الجَسَدِ؛ وعَبَّرَ عَنْ جَمْعِ الكَثْرَةِ بِجَمْعِ القِلَّةِ؛ إشارَةً إلى أنَّها؛ وإنْ تَجاوَزَتِ الحَصْرَ فَهي كَنَفْسٍ واحِدَةٍ؛ ولَعَلَّهُ لَمْ يُوَحِّدْهُ لِئَلّا يُظَنَّ أنَّ الوَحْدَةَ عَلى حَقِيقَتِها؛ ﴿حِينَ مَوْتِها﴾؛ أيْ: مَنعِها مِنَ التَّصَرُّفِ في أجْسادِها؛ في هَذِهِ الحَياةِ الدُّنْيا؛ كائِنَةً في مَماتِها؛ مَحْبُوسَةً فِيهِ؛ مَظْرُوفَةً لَهُ؛ وعَطَفَ عَلى“الأنْفُسَ”؛ قَوْلَهُ: ﴿والَّتِي﴾؛ أيْ: ويَتَوَفّى الأنْفُسَ الَّتِي ﴿لَمْ تَمُتْ﴾؛ لِأنَّها لَمْ تَنْقَضِ آجالُها؛ حِينَ نَوْمِها كائِنَةً ﴿فِي مَنامِها﴾؛ بِمَنعِها مِنَ التَّصَرُّفِ بِالحِسِّ؛ والإدْراكِ؛ ما دامَ النَّوْمُ مَوْجُودًا؛ مَظْرُوفَةً لَهُ؛ لا شَيْءَ مِنها في الجَسَدِ عَلى حالِ اليَقَظَةِ؛ فالجامِعُ بَيْنَهُما عَدَمُ الإدْراكِ؛ والشُّعُورِ؛ والتَّصَرُّفِ؛ ولَوْ قِيلَ: بِمَوْتِها؛ وبِمَنامِها؛ لَمْ يُفِدْ أنَّ كُلًّا مِنَ المَوْتِ؛ والوَفاةِ؛ آيَةٌ مُغايِرَةٌ لِلْأُخْرى.
ولَمّا كانَ النَّوْمُ مُنْقَضِيًا؛ دَلَّنا؛ بِقِرانِهِ بِالمَوْتِ؛ عَلى أنَّ المَوْتَ أيْضًا مُنْقَضٍ؛ ولا بُدَّ؛ لِأنَّ الفاعِلَ لِكُلٍّ مِنهُما واحِدٌ؛ فَسَبَّبَ عَنْ ذَلِكَ قَوْلَهُ: ﴿فَيُمْسِكُ﴾؛ أيْ: فَيَتَسَبَّبُ عَنِ الوَفاتَيْنِ أنَّهُ يُمْسِكُ عِنْدَهُ ﴿الَّتِي قَضى﴾؛ أيْ: خَتَمَ؛ وحَكَمَ؛ وبَتَّ بَتًّا مُقَدَّرًا؛ مَفْرُوغًا مِنهُ؛ وقِراءَةُ البِناءِ لِلْمَفْعُولِ مُوَضِّحَةٌ لِهَذا المَعْنى؛ بِزِيادَةِ اليُسْرِ؛ والسُّهُولَةِ؛ ﴿عَلَيْها المَوْتَ﴾؛ مَظْرُوفَةً لِمَماتِها؛ لا تَقْدِرُ عَلى تَصْرِيفِ جَسَدِها؛ ما دامَ المَوْتُ مُحِيطًا بِها؛ كَما أنَّ النّائِمَةَ كَذَلِكَ؛ ما دامَ النَّوْمُ مُحِيطًا بِها؛ ﴿ويُرْسِلُ الأُخْرى﴾؛ أيْ: الَّتِي أخَّرَ مَوْتَها؛ وجَعَلَها مَظْرُوفَةً لِلْمَنامِ؛ لِأنَّها لَمْ يَنْقَضِ أجَلُها (p-٥١٩)الَّذِي ضَرَبَهُ لَها؛ بِأنْ يَفْنى المَنامُ؛ فَيُوقِظَها لِتَصْرِيفِ أبْدانِها؛ ويَجْعَلَ ذَلِكَ الإمْساكَ لِلْمَيِّتَةِ؛ والإرْسالَ لِلنّائِمَةِ؛ ﴿إلى أجَلٍ مُسَمًّى﴾؛ لِبَعْثِ المَيِّتَةِ؛ ولِمَوْتِ النّائِمَةِ؛ لا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ؛ فَإذا جاءَ ذَلِكَ الأجَلُ أماتَ النّائِمَةَ؛ وبَعَثَ المَيِّتَةَ؛ وقَدْ ظَهَرَ مِنَ التَّقْدِيرِ الَّذِي هَدى إلَيْهِ قَطْعًا السِّياقُ أنَّ النَّفْسَ الَّتِي تَنامُ هي الَّتِي تَمُوتُ؛ وهي الرُّوحُ؛ قالَ ابْنُ الصَّلاحِ؛ في فَتاوِيهِ: وهو الأشْبَهُ بِظاهِرِ الكِتابِ؛ والسُّنَّةِ؛ انْتَهى.
رَوى الطَّبَرانِيُّ في الأوْسَطِ - قالَ الهَيْثَمِيُّ: ورِجالُهُ رِجالُ الصَّحِيحِ - عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما - قالَ:“تَلْتَقِي أرْواحُ الأحْياءِ والأمْواتِ؛ فَيَتَساءَلُونَ بَيْنَهُمْ؛ فَيُمْسِكُ اللَّهُ أرْواحَ المَوْتى؛ ويُرْسِلُ أرْواحَ الأحْياءِ إلى أجْسادِها”؛ ورَوى البُخارِيُّ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «“إذا أوى أحَدُكم إلى فِراشِهِ فَلْيَقُلْ: بِاسْمِكَ رَبِّي وضَعْتُ جَنْبِي؛ اللَّهُمَّ إنْ أمْسَكْتَ نَفْسِي فارْحَمْها؛ وإنْ أرْسَلْتَها فاحْفَظْها بِما تَحْفَظُ بِهِ عِبادَكَ الصّالِحِينَ"؛» وظَهَرَ أيْضًا أنَّ الآيَةَ مِنَ الِاحْتِباكِ: ذَكَرَ الحِينَ أوَّلًا؛ دَلِيلًا عَلى تَقْدِيرِ مِثْلِهِ في النَّوْمِ ثانِيًا؛ والمَنامَ ثانِيًا؛ دَلِيلًا عَلى حَذْفِ المَماتِ أوَّلًا.
ولَمّا تَمَّ هَذا عَلى الأُسْلُوبِ الرَّفِيعِ؛ والنَّظْمِ المَنِيعِ؛ نَبَّهَ عَلى عَظَمَتِهِ؛ وما فِيهِ مِنَ الأسْرارِ؛ بِقَوْلِهِ - مُؤَكِّدًا؛ قَرْعًا لِمَن يَرْمِيهِ بِالأساطِيرِ؛ وغَيْرِها مِنَ الأباطِيلِ -: ﴿إنَّ في ذَلِكَ﴾؛ أيْ: الأمْرِ العَظِيمِ؛ مِنَ الوَفاةِ؛ (p-٥٢٠)والنَّوْمِ؛ عَلى هَذِهِ الكَيْفِيَّةِ؛ والعِبارَةِ عَنْهُ عَلى هَذا الوَجْهِ؛ ﴿لآياتٍ﴾؛ أيْ: عَلى أنَّهُ لا يَقْدِرُ عَلى الإحْياءِ والحِفْظِ غَيْرُهُ؛ وأنَّهُ قادِرٌ عَلى البَعْثِ؛ وغَيْرِهِ؛ مِن كُلِّ ما يُرِيدُهُ؛ ﴿لِقَوْمٍ﴾؛ أيْ: ذَوِي قُوَّةٍ في مُزاوَلَةِ الأُمُورِ؛ ولَمّا كانَ هَذا الأمْرُ لا يَحْتاجُ إلى غَيْرِ تَجْرِيدِ النَّفْسِ مِنَ الشَّواغِلِ؛ والتَّدَبُّرِ؛ قالَ: ﴿يَتَفَكَّرُونَ﴾؛ أيْ: في عَظَمَةِ هَذا التَّدْبِيرِ؛ لِيُعْلَمَ بِهِ عَظَمَةُ اللَّهِ؛ وذَلِكَ أنَّ النَّفْسَ جَوْهَرٌ رُوحانِيٌّ؛ لَهُ في التَّعَلُّقِ بِالبَدَنِ ثَلاثُ حالاتٍ؛ إحْداها أنْ يَقَعَ ضَوْءُ النَّفْسِ عَلى البَدَنِ ظاهِرًا وباطِنًا؛ وذَلِكَ هو الحَياةُ مَعَ اليَقَظَةِ؛ وثانِيَتُها انْقِطاعُ ضَوْءِ النَّفْسِ عَنِ البَدَنِ ظاهِرًا لا باطِنًا؛ وذَلِكَ بِالنَّوْمِ؛ وثالِثُها انْقِطاعُ ذَلِكَ ظاهِرًا وباطِنًا؛ وهو بِالمَوْتِ؛ فالمَوْتُ والنَّوْمُ مِن جِنْسٍ واحِدٍ؛ إلّا أنَّ المَوْتَ انْقِطاعٌ تامٌّ؛ والنَّوْمَ انْقِطاعٌ ناقِصٌ؛ فَلا يَقْدِرُ عَلى إيجادِ شَيْءٍ واحِدٍ عَلى نَوْعَيْنِ؛ ثُمَّ يَجْعَلُهُما في شَيْءٍ واحِدٍ عَلى التَّعاقُبِ؛ ويَفْصِلُ كُلًّا مِنهُما مِنَ الآخَرِ؛ إلّا هو - سُبْحانَهُ -؛ وكُلَّما قَدَرَ عَلى إنْهاءِ المَوْتَةِ الصُّغْرى بِحَدٍّ جَعَلَهُ لَها؛ فَهو قادِرٌ عَلى إنْهاءِ الكُبْرى بِمِثْلِ ذَلِكَ.
{"ayah":"ٱللَّهُ یَتَوَفَّى ٱلۡأَنفُسَ حِینَ مَوۡتِهَا وَٱلَّتِی لَمۡ تَمُتۡ فِی مَنَامِهَاۖ فَیُمۡسِكُ ٱلَّتِی قَضَىٰ عَلَیۡهَا ٱلۡمَوۡتَ وَیُرۡسِلُ ٱلۡأُخۡرَىٰۤ إِلَىٰۤ أَجَلࣲ مُّسَمًّىۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّقَوۡمࣲ یَتَفَكَّرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











